آمال عباس

آمال عباس تكتب : وقفات مهمة.. هل الأذن تعشـق قبل العين؟


قارئة عزيزة جداً، ظلت على اتصال دائم ومنتظم بي منذ فترة قاربت السبعة أو الستة أشهر.. من خلال أسلاك التلفون.. تهاتفني أسبوعياً وتناقش معي كل ما يردني في هذه الصفحة من “المثل” الى مقطع الشعر.. وكثيراً ما كانت تبدي ارتياحها لما يرد، وفي بعض المرات تبدي غضباً أو عدم رضا لما يأتي.. وعموماً نشأت علاقة لطيفة واصيلة بيني وبين قارئتي أسماء التي اعتز بها كثيراً وأتمنى من أعماقي أن أراها.
الذي يهمنا اليوم أن محادثتها الأخيرة كانت شبه غاضبة.. أو ثائرة بالأصح.. وقالت لي إنكِ تعلمين جيداً أزمتنا.. أزمتنا نحن الشباب عموماً والشابات بالأخص، تقفين على الذي يدور في أذهاننا ويشغلنا ليلا ونهارا.. وعلى ذلك وبكل أسف أجدك تتهربين دائماً من تناول الموضوع بوضوح.. وصراحة أو كما يقول المثل “عينك في الفيل تطعني في ضله”.. أو تحومين من بعيد عندما يفرض الموضوع نفسه عليك.. وفي كل مرة انوي ان اقول لكِ صراحة.. استبشر خيراً ظللت مستبشرة بذلك الخير عندما كان موضوع الوقفة “معنى الأخلاق” ولكن صرفت النظر عنها.. وها أنا اليوم أجدك مرة أخرى تحاولين مناقشة الموضوع.. فالتي أتتك اخيراً تنعي الصداقة اظن ان نعيها لم يكن للصداقة بشكل عموم وانما لشيء كبير.. كبير جداً يشغل بالنا نحن كلنا.. ولا تفتكري أنا بعبر عن رأيي الشخصي.. فنحن مجموعة من الشابات بنات أسر غنية أتممنا الثانوي العالي وقاعدين في البيت في انتظار ابن الحلال، أو الحرام ما يفرق، المهم نغير والسلام، انشأنا جمعية أسميناها جمعية صديقات “من العمق العاشر” عندما بدأتِ تناقش مشاكلنا كما كنا قد اعتقدنا.. اما الآن فهذا انذار لكِ بأننا بصدد حل الجمعية والبحث عن شيء آخر.. يا آمال بصراحة دايرنكِ تناقشي لينا مسألة واقعنا.. ومسألة مفهوم العلاقات كيفية وجود العريس.. وأقول ليكِ بصراحة شديدة مسألة الحب.. ايوه يا شيخة احسن تناقشي امورنا بصراحة.
بحق استمعتِ لأسماء بكل جوارحي ولم اقاطعها طوال فترة حديثها، فقد اعتادت ان تناقشني بصراحة وقالت لي مرة انها من خلال هذا التلفون على علاقة مع عديد من الشبان تجد ارقام تلفوناتهم في الدليل.. وكل واحد منهم بمجرد ان تحادثه مرة مرتين، في الثالثة يقول لها انه وقع في حبها وهائم بها “والأذن تعشق قبل العين أحياناً” ومنها يأخذ في الإلحاح عليها بأن تقابله.. مرة قالت قررت أن أغامر، ومن بيت بكاء حبوبتي ذهبت وقابلت الشاب ولكن خرجت بشيء واحد هو انه لم يكن جاداً ولم يكن له هدف نبيل.. وأذكر يومها سخرت منها الى ان اوشكت أن تنهي المحادثة.. ولكني قلت لها لا يمكن لشاب وسوداني أن يفكر في علاقة جدية مع شابة بدأت بالتلفون ومن جانبها هي ويومها اقتنعت برأيي، وقالت لي فعلاً ده موضوع كبير وحقو يكون موضوع الوقفة في الصفحة القادمة.. وكنت قد وعدتها ومرت عدة أسابيع ولعل هذا سبب ثورتها.. وبالرغم من اعتقادي بأنه هناك مسائل أو مشاكل ومظاهر تأتي بها حركة المجتمع في مراحل تطوره الطبيعية، ولكن ولظروف كثيرة وواقع سلبي اخذ يفرض نفسه، رأيت أن أبر بوعدي مع أسماء، وأن أحافظ على علاقتي مع الأخوات أعضاء الجمعية، رأيت أن أناقش الموضوع وأدعوهن لمناقشته مع القراء وليس بالتلفون هذه المرة بما فيكن أسماء ذاتها..
العلاقات بين الناس عموماً تشكل ركناً أساسياً ومُهمّاً في تكوين المجتمع أيّاً كان نوعه.. ومنذ الأزل العلاقة بين الرجل والمرأة ظلت موضوع نقاش، وجدل وحوار ومعارك على مر الحياة الإنسانية.. ونحن إذا حاولنا أن نناقش موضوع العلاقات الإنسانية خارج الإطار العام لشكل المجتمع ونوعية علاقاته الاقتصادية والسياسية نكون كمن يحرث في البحر، فالانسان سلوكاً واتجاهاً وممارسةً لا يكون إلا تعبيراً ونتاجاً لنوع معين من النظم الاقتصادية والاجتماعية.
والإنسان في حد ذاته امرأة كان أم رجلاً على مر تاريخ الحياة يُناضل من أجل أن يتحرّر من الحيوانية وعبودية الغرائز.. وظل دائماً القياس الأساسي والواضح في مثل هذه الحالات هو موقف الرجل من المرأة.. وعلاقة المودة الإنسانية التي نسميها الحب والتي تنشأ بين الرجل والمرأة.. هي ذلك التفتح المبهج للإنسان والتي أوجدها الله في الإنسان لتعمر الحياة وتسودها المحبة، ولكن هذه العلاقة دائماً محكومة بعاملين، العامل الأول اجتماعي وهو مجموع العلاقات والعادات والتقاليد.. والعامل الثاني فردي وهو نزعة الإنسان الحيوانية وعبوديته لغرائزه.. ومن هنا أردت أن انظر للموضوع على أساس انه كفاح يخوضه الإنسان السوداني ليتطور ويستكمل أبعاد بناء مجتمعه الجديد الذي يرغب في تحقيقه.. فكثير من علاقتنا الاجتماعية تسيطر عليها عبوديات خارجية نبعت وعلى مرّ الحقب التاريخية من علاقات الإنتاج ونظم المجتمع المختلفة وشكّلت حاضراً به، المشرق الذي نحرص على بقائه، والمظل الذي لا ينتمي إلى روح العصر والذي نود أن نتخطاه بأقل قدر من التضحيات، وهنالك أيضاً عبوديات ذاتية تمثلها الاستجابة للنداءات الغريزية، ومن هذا ما لم نجد الإنسان المنعتق من عبودية الغريزة والمسألة في هذا الإطار تكون موضوعنا في الأسبوع القادم.
مربع شعر:
قال الحسن ود سالم، من شعراء الفادنية مفتخراً:
أهلي ينزلوا الوادي البعيد في الصورة
أهلي بيرخوا جانب للرفيق والخوة
أهلي يخلصوا الزول البقول يا مروة
أهلي يسكنوا البلد النفوسو عدوة
مقطع شعر:
ديوان شعر جديد للشاعر محمد المهدي المجذوب صدر عن دار التأليف والترجمة والنشر بجامعة الخرطوم في طبعة أنيقة يزداد سروري وأملي كلما انضم إلى المكتبة السودانية عمل أدبي جديد ولا سيما إن كان من النوع الذي يستحق الوقفة ويشفي قدراً من غليلنا تعطشاً للمزيد، وديوان الشرافة والهجرة كان من النوع الاخير والمقدمة التي زين بها الشاعر صدر الديوان وحدها كفيلة بالدراسة.. فقد حوت مسائل كثيرة وعديدة.. الموقف بين الحضر والريف، ثقافة المستعمر وقبة المجذوب بالدامر، القديم والحديث في الشعر، ماهية الشعر، كالحياة والحياة لا تعرف بل تعاش، السيرة راية الحانة.. مزاد الموظفين والمساكن، الفتاة والبن، ماسح الأحذية جوانب عديدة ومهمة أريد أن اتناولها بإسهاب في مجال آخر.. هذه بمثابة شكر وتقدير للشاعر ولقرائي إليكم هذا المقطع من الديوان:
أيها الطامعون ما أنا ساع ربض الموت في الخطى والمساعي
لي من يومي الطويل سويعات تنهش البقاء نهش الأفاعي
وثوان ذهلت فيهن أقبلنا بدهر من القبور مشاع
كل نفس إليه عادت ويبقى الله في غيبة ازيل قناعي
هذه الشمس آية الله لا تشرق إلا في صورة من وداع
ترسل الدمع ظلمة في مدى النفس تلاشت بها رياح الصراع
من أمثالنا:
رأيك جبة ورأي أخوك سروال

صحيفة الصيحة