شهود الزور: الكذب مقابل المال
محامٍ: نسبة لخطورة شهادة الزور شدد المشرع على العقوبة
استشاري نفسي: الفقر والظروف الاقتصادية والجوانب التربوية أحد الدوافع
إعطاء إجازة مرضية لمن ليس مريضاً تعتبر شهادة زور
على السلطات الرسمية التدقيق في استخراج المستندات الرسمية
ظهرت في الآونة الأخيرة في أوساط المحاكم شهود زور يتقدمون للمحكمة كشهود لوقائع، لكنهم يقدمون بينات باطلة بالرغم من علمهم بأنها من أهم مقاصد الشَّريعة الإسلاميَّة ومبادئها تحقيقُ العدالة، ومنع الظلم بين الناس، أصبحت شهادة الزور تحدث في كل المجالات القانونية كواحدة من عناصر الجريمة التي تؤثر على سير العدالة وتغير اتجاهات الحكم في القضايا المختلفة، فشهادة الزور أصبحت ظاهرة منتشرة في الأحوال الشخصية كالزواج والطلاق والنفقة، فيما خطورة شهادة الزور تتمثل في ضياع حقوق الأفراد، والآن شهادة الزور تتعدى الإدلاء بالمعلومات الكاذبة إلى اختلاق البينة.. (اليوم التالي) تناولت ظاهرة شهادة الزورـ هل هي نتاج لانعدام الوازع الديني وضعف الثقافة القانونية لأن شهادة الزور باتت تؤثر على الاجتماعيات وسلوكيات المجتمع بعد ظهور أشخاص يشهدون الزور مقابل أجر مالي.
وانتشار شهادة الزور يخلق ضرراً بالمحاكم والمحامين، ولذلك لا بد من مكافحة شهود الزور على المستوىين الرسمي والشعبي، فشهادة الزور تدخل فيها المستندات الرسمية التي تحتوي على معلومات غير صحيحة، الأمر الذي يتطلب من السلطات الرسمية بالدولة التدقيق في استخراج المستندات الرسمية التي بدأت نسبة الأخطاء فيها تتلاشى في الآونة الأخيرة بفضل جهود الأجهزة الرسمية، كما يجب على المحاكم تسهيل ملاحقة شهود الزور قضائياً برفع دعوى قضائية ضد شهود الزور لأن مقاضاة شهود الزور يحاصر الظاهرة التي باتت تواجه المحامين وكل العاملين في العدالة.. (اليوم التالي) خرجت بالحصيلة التالية:
توقيف شبكة زور
لم تخلُ أقسام الشرطة من بلاغات الزور وإن قلَّت، شبكة زور يتردد أفرادها على المحاكم ويشهدون في أي قضية ولأي طرف سواء كان اتهاماً أو دفاعاً مقابل مبلغ مالي، وغيرها كثير..
أكل الأموال بالباطل
يقول المحامي (أ. ر) لـ(اليوم التالي): نسبة لخطورة الجريمة وتأثيرها على الحقوق والأنفس شدد المشرع في عقوبتها، وجعل عقوبة شهادة الزور السجن والغرامة أو العقوبتين معاً، وهذا الردع للمصلحة العامة، لافتاً إلى أن خطورتها تؤدي إلى فساد وأكل أموال الناس أو الأنفس بالباطل وعلاجها هو الردع في الأحكام متى ما تم اكتشافها، مشيراً إلى أن الكثير من الشهود الذين صادفهم خلال عمله في المحاكم يتضح من خلال مناقشته سواء كان الشاهد اتهاماً أو دفاعاً يتبين من خلال إفاداته بأنه لم شاهد وقائع، وإنما شخصٌ لُقِّن بمعلومات محددة وفي بعض الأحيان قد يأخذ الطرف المتضرر الإذن من المحكمة لفتح بلاغ في مواجهة إن ثبت بأن لا علاقة له بالقضية وشهادته كانت بمقابل مادي أو خلافه كمصلحة أو خوف.
تعدد أشكالها
فيما يرى الأستاذ الجامعي (صلاح أحمد) أن شهادة الزور ليس بالضرورة أن تكون داخل المحاكم أو ما يتعلَّق بالمعاملات المالية فحسب، وقال: في زمننا هذا تعددت أشكال وصور شهادات الزور، مشيراً إلى أن إعطاء إجازة مرضية لمن ليس مريضًا تعتبر شهادة زور، ومنح مُتعلم درجة علمية لا يستحقها ونالها بغش وتدليس شهادة زور، ورفع تقرير كفاءة عالٍ عن موظف مهمل مقصر كسول شهادة زور، ويضيف: ربما يتبادر للذهن أن مثل هذه الصور لا تشكل ضرراً لأحد حتى مع كونها تحديثاً للكذب، ولكن بنظرة فاحصة يتبين أنَّ فيها غشاً للأمة، وتضييعاً للأمانة، وتقصيراً في واجبات العمل، وظلماً للموظفين المخلصين، وإجحافاً في حقوقهم وغير ذلك من الآثار الوخيمة.
حادث حركة
وأضاف صلاح: من صور شهادات الزور التي انتشرت في أوساط المُجتمع عند وقوع بعض حوادث السير ويكون المتسبب فيها لا يملك رخصة قيادة، فيقوم شخص آخر يملك رخصة فيجعل نفسه المتسبب في الحادث، بالتالي فلت المذنب من العقاب.
التأثير على الحكم
فيما عرف المحامي “مجاهد عثمان” شهادة الزور بأنها هي الإدلاء بأقوال كاذبة مع علم الشاهد بذلك، أو كتم كل أو بعض ما يعلمه من وقائع الدعوى بصوره تؤثر على الحكم في القضية، أو يختلق بينة ويقدمها مع علمه ببطلانها قاصداً بذلك التأثير على الحكم في الدعوى، وأضاف: إن شهاده الزور تؤثر في الدعوى وتؤدي الى ذهاب الحق لغير مستحقه، ولها تأثير بليغ على الأطراف ويمتد تأثيرها على المجتمع حيث أن المجمتع بهذه يفقد الثقة في الجهات العدلية، وناشد مجاهد الجهات العدلية بأن تتدارك هذا الأمر ورصد الشهود الذين يترددون كثيراً على المحاكم.
شاهد قضيتين
وأضاف مجاهد: (عندي شاهد شهد لي في قضيتين شهادات مختلفة وهذا يندرج تحت شهادة الزور، كنت عايز أتخذ فيهو إجراءات، لكن صاحب القضية طلب مني تركه)، مواصلاً في إفادته لـ(اليوم التالي): نحن كمحامين معروفين لدينا ويظهر ذلك من خلال الأسئلة التي توجه له، وفي بعض الأحيان تجد في قضايا مختلفة نفس الشاهد مما يجعلك تتساءل: هل هذا الشاهد حاضر كل هذه النزاعات أم يتم تلقينه الشهادة من قبل صاحب المصلحة وهنا يتم كشفه.
حكمها القانوني
يضيف المحامي أن القانون الجنائي السوداني أوضح شاهد الزور بأنه من يشهد زوراً بأن يدلي بأقوال كاذبة وهو يعلم ذلك أو يكتم أثناء أدائه للشهادة كل أو بعض ما يعلمه من وقائع الدعوى بصورة تؤثر على الحكم فيها، يعاقب بالسجن مدة لا تتجاوز خمس سنوات أو بالغرامة، او بالعقوبتين معاً، وإذا ترتب على الإدلاء بشهادة الزور أو اختلاف البينة تنفيذ الحكم على المشهود ضده، يعاقب الجاني بالعقوبة المقررة للجربمة التي تنفذ الحكم فيها، وكفارتها بالتوبة الى الله وجبر الضرر الذي أحدثته شهادة الزور للشخص المتضرر من الشاهد.
تدني الأخلاق
فيما ترى الاستشارية النفسية “ابتسام محمود” أن أي شخص يشهد مع شخص آخر ضد آخر بالكذب يؤدي هذا السلوك إلى معانٍ كثيرة جداً، معللة أنه مرتبط مع الأمانة والصدق وقد يكون سببه دافع مالي، وذلك بسبب حاجة الشخص للمال وبالمقابل يقدم شهادة زور، مضيفة: وقد يكون الشاهد تحت تأثير التهديد أو ربما حب لآخر، مؤكدة أن الدوافع هي التي تجعل الإنسان يشهد زوراً، وأشارت ابتسام إلى أن هذا السلوك أدى إلى تدني الجوانب الأخلاقية.
ظاهرة تحتاج لوقفة
ولفتت الاستشارية النفسية أن ظاهرة شهود الزور كثرت بين السودانيين، مشيرة الى أن هناك من يشتري شهوداً كي يشهدوا له زوراً، وهي الآن أصبحت سهلة جداً، ويرتبط ذلك بالفقر والضغوط الاقتصادية وترتبط أيضاً بالجوانب التربوية بالمناهج وكيفية تدريب الشخص بالقيم ومدى خطورة شهادة الزور وربطها بالقيم الروحية والأخلاقية من أجل مكافحتها، وقالت: هي ظاهرة فعلاً تحتاج إلى وقفة وبالأخص الإعلام ولا بد من وضع قوانين صارمة.
قصة شهود زور
قالت ابتسام إنها عاشت تجربة مع سيدة تم اتهامها بالباطل وللأسف أحضر المدعي ثلاثة شهود زور أكدوا أقواله ضد السيدة، وأضافت: (أنا استغربت من هذا السلوك) إلا أنها رجعت وقالت إن الظاهرة انتشرت في السودان، وأردفت قائلة: أخطر ما في شهادة الزور أن يحلف الشخص على المصحف على (اليمين)، وتساءلت: كيف الشخص يحلف وهو كاذب، مبينة أنها مرتبطة بضعف الإيمان بالنسبة للشخص وعدم الانتماء الروحي والديني، والأخطر من ذلك عدم الخوف من الله وغضبه وعذاب يوم القيامة، وطالبت الإعلام بتسليط الضوء على هذه الظاهرة باعتباره واحد من مؤسسات التنشئة التي تساعد في تغيير الإنسان بطريقة إيجابية.
تفسد أمن المجتمع
شهادة الزور تُعد من أكبر الكبائر التي حذر منها الرسول “صلى” تحذيراً شديداً، هذا ما ابتدر به حديثه الشيخ” محمد خير ” لصحيفة (اليوم التالي)، وتساءل: كيف لا تكون شهادة الزور أكبر الكبائر وفيها تحديث لكذب، وتضييع لحقوق، وطمس لحقائق، وضياع لواجبات، واتهام لأبرياء، وهدر لدماء، وإباحة لما حرم الله، وإشاعة للفوضى، ونشر للأحقاد والكراهية والبغضاء، وعون للظلمة والمجرمين، وتعاون على الإثم والعدوان، وغيرها من الويلات التي تجرها هذه الكبيرة، منوهاً ولأجل ذلك حرم الله – تعالى – شهادة الزور، واعتبرها من أكبر الكبائر لذلك نرى أن كل الأفعال التي حرمها الشرع وعاقب عليها هي أعمال تفسد أمنَ المجتمع، والعلاج هو التوبة وعدم الانزلاق إلى المحرمات.
شهادة الزور جريمة
ومن جانبه ذكر الداعية أستاذ عبدالرحمن الكمالابي لـ(اليوم التالي) أن شهادة الزور من الشهادات التي استعظمها الله سبحانه، “وقال: شهادة الزور على أعراض الناس جريمة من الجرائم وهذه جعل الله لها عقوبة في الدنيا والآخرة وعقوبتها في الدنيا (80) جلدة وعدم قبول الشهادة والحكم الفسق، والله يلعن شاهد الزور في الدنيا والآخرة.
ضياع أعراض
وقال الكمالابي إن شهادة الزور تؤدي الى ضياع أعراض وأموال ومفسدة بين الناس وتأسف الكمالابي في حديثه أنه الآن انتشرت شهادة الزور لسبب تكسب غير مشروع من أموال الناس بالباطل.
وقال إن شهادة الزور الآن لا تعرف بأنها شهادة زور بسبب (الحياكة)، والتخطيط ممن يفعلونها وقال إن هناك أيتام أكل مالهم بالحرام وآخرون ضاعت وسلبت أراضيهم وضاع ميراث لم يعد لأصحابه بسبب شهادة الزور.
وقال الكمالابي إن شاهد الزور قد تصيبه بدعوة مظلوم في الدنيا ولم ينجُ من عذاب يوم القيامة إلا من تاب وأصلح وعمل عمل صالحاً.
تحقيق: فايزة أبا هولو
صحيفة اليوم التالي