تحقيقات وتقارير

البطالة في السودان هاجس يُؤرِّق الجميع

خبير اقتصادي: البطالة 19%.. وزير المالية: البطالة 40%

مختصون: الشعب معظمه عاطلٌ

باحثة اجتماعية: هناك نتائج كارثية لارتفاع مُعدّل البطالة

اقتصادي: الدولة غائبة تماماً عن مشاريع الشباب

خبير: الوظائف تجميد طاقات

منذ سنوات طويلة، ظل الخبراء والمختصون يناقشون قضية ارتفاع معدل البطالة في السودان، بتقديم الخطط والبرامج والدراسات للخروج من هذا النفق، حتى عندما اندلعت ثورة الشباب، كانوا يحلمون بواقع أفضل ، إلا أن تلك الأحلام لم تبرح مكانها، بل ازداد الأمر سوءاً، فظهرت أنواع جديدة من البطالة نتناولها في سياق التحقيق التالي:

فرص عمل

رغم تخريج آلاف الطلاب والطالبات من الكليات العلمية والتطبيقية والأدبية النظرية ، الا أن فرص العمل ظلت شحيحة تماماً، فمنهم من يعمل في اعمال هامشية، ومنهم من يذهب خارج البلاد أيضاً والعمل في مهنة هامشية.

وقال الشاب مصطفى الذي يحمل ماجستيراً في القانون من جامعة النيلين، انه عمل بأحد مكاتب المحاماة بالخرطوم، الا ان ما يتقاضاه لا يكفي قيمة المواصلات، الامر الذي دفعه للهجرة والعمل كسائق في احدى الدول الخليجية. بينما ذكرت فاطمة محمد خريجة مختبرات طبية انها تعمل بنظام اليومية حتى تستطيع تجديد السجل الطبي السنوي يُمكِّنها من ايجاد فرصة عمل بالخارج، هذا وغيرها من النماذج التي تعيش على أعمال حُرة ويومية لتوفير مُتطلباته اليومية وتأجيل التفكير في المستقبل لعل الله يحدث أمراً.

أستاذ عامل

عدد من استاذة الجامعات التي تربطني بهم علاقة شخصية، ظلوا يشكون من ضعف الهيكل الراتبي، فمنهم من اتجه الى التدريس في المدارس الخاصة لمرحلة الأساس، ومنهم اتجه للعمل في التجارة، ومن المؤلم جداً عمل بعضهم كمساعد في عمليات الشحن والتفريغ بالشاحنات الكبيرة التي تحمل البضائع، مما جعل هناك بطالة للكفاءات نتيجة عملها في أعمال هامشية لا تتّسق مع مُؤهِّلاتهم العلمية.

نسبة البطالة

كشف الخبير الاقتصادي دكتور عبد العظيم المهل، ان نسبة البطالة مؤخراً وصلت الى 19%، وارجع ذلك الى ان السودان في الوقت الحالي يمر بحالة من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني، وانه لا توجد دولة، واضاف: نحن نعيش حالة اللا دولة، كل هذه العوامل ادّت الى توقف عجلة الإنتاج بصورة شبه كاملة، واشار الى ان اكبر نسبة بطالة وسط الخريجين من الكاليات الأدبية وتصل الى 80%، بينما وصلت نسبة البطالة وسط خريجي الكليات العلمية 60%، فهي نسب عالية جداً وواضحة للعيان من خلال المشاهدات اليومية في الشارع العام، ووصف الخبير الاقتصادي دكتور عبد العظيم المهل أن اكثر من 65% من العمالة في السودان هامشية، ويتوقف عملهم مباشرة بإغلاق الطرق والجسور. وقال: حتى القطاع الزراعي لم يسلم من الحراك السياسي، فأصبحت هناك بطالة ناتجة عن انعدام المياه بالترع والسماد والتمويل اللازم وعدم وجود ادارة فاعلة.

مشاريع غير مكتملة

وأضاف المهل رغم ان الثورة ثورة شباب، الا ان حكومة الفترة الانتقالية لم تنفذ مشروعا واحدا لصالح الشباب سواء مشاريع حيوانية او زراعية بتمليكهم مساحات زراعية وتوفير الري لها أو إنتاجية، وكشف عن امكانية تنفيذها عبر التمويل الخارجي الذي مهّد الطريق لذلك، الا أن الحكومة لم تلتفت لتلك المشاريع. وذكر أن جميع الصناديق والمشاريع التي وُضعت لدعم الشباب لم تكن فاعلة، مبيناً أن هناك نسبة 12% وضعت تمويلاً أصغر لهم، إلا أنها لم تصرف، وإجمالي الذي تم تصديقه لا يتجاوز 25%، مضيفاً: حتى النسبة التي تخرج من البنوك لا تذهب للشباب لأنها تفضل من لديه أجر ثابت لضمان استرجاع المبلغ، فضلاً عن الشروط التعجيزية التي تفرضها المؤسسات المصرفية على طالب التمويل، بجانب الضرائب التي تدفع قبل الاستلام، وزاد قائلاً: لذلك الدولة غائبة تماماً عن رعاية ودعم الشباب ولا يوجد برنامجٌ واحدٌ في الميزانيات السنوية.

وظائف كتابية

ووصف المهل، الوظائف التي كانت تُطرح خلال السنوات الماضية عبارة عن وظائف كتابية، وعمل بدون عمل بمعنى انها بطالة مقننة.

ويرى ان المعالجة الحقيقية هي توفير مشاريع إنتاجية، حتى وان تمكّنت الجهات المختصة من تمويلها مجاناً او عبر قرض حسن او تمويل بفوائد قليلة لا تتجاوز 5%، وكشف عن وجود خطط ودراسات جاهزة يمكن من خلالها الخروج من نفق البطالة المظلم، ولكن غياب الدولة هو المشكلة الحقيقة.

40%

بينما يرى وزير المالية، جبريل إبراهيم في تصريحات صحفية مؤخراً، أن إعفاء جزء كبير من ديون السودان سيُساعد على جذب الاستثمارات، مما يوفر فرص عمل كبيرة للشباب، ويحد من نسبة البطالة التي تبلغ الآن 40%.

السودان مُتخلِّفٌ

بينما ذهب الأستاذ الجامعي ورئيس لجنة العمل والقانون بالمجلس التشريعي سابقاً علي أبو الحسن في حديثه لـ”الصيحة” أن منظمة العمل الدولية تعرف البطالة، هي كل شخص يعمل في مهنة غير تخصصه باعتبار أنه عطّل المجال الذي درسه، فهذا عامل اجتماعي تسبّب في البطالة، وقال إن السودان مُتخلِّف عن مصاف الدول لضعف متخرج التعليم العالي في الآونة الأخيرة، وعدم قدرته على المُنافسة في سوق العمل الخارجي لعدم الاهتمام بالنظريات العلمية، وأضاف: أما ما يحدث الآن هو تعطيل للإنتاج والآن حتى العاملين في وظائف لا يستطيعون اداء عملهم نسبةً للظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها البلاد، كل تلك العوامل خلقت نوعاً جديداً من العطالة، والآن اصبح معظم الشعب عاطلاً عن العمل، وهذا النوع لديه أضرارٌ بالغة في إهدار المال دون إنتاج لعدم قدرة المواطن على العمل.

مشاريع ترويجية

وأفاد علي ابو الحسن، إن المشاريع الصغيرة التي ابتدعتها الإنقاذ لم تكن مشاريع فعلية قومية، وإنما كانت تنظيمية وللترويج فقط، كما انها كانت تمارس نوعا من التمكين.

ويرى دكتور علي ان الوظائف عبارة عن تجميد للطاقات، لأنّ الموظف يهدر طاقته ووقته دُون إنتاج، وقال: الناظر للسوداني خارج البلاد يجده يُبدع في عمله نسبةً لتوفير بيئة العمل والمساحات الكافية للتطوير والاستثمار الذهني، ودعا ابو الحسن، الشباب لضرورة استثمار طاقاته في الإنتاج وتطوير الذات، والخروج من مرحلة الإحباط التي يعيشها الآن وملء الفراغ بما هو مُفيدٌ.

نتائج كارثية

بينما ترى الباحثة في علم الاجتماع خالدة المنصوري ان هناك عدم تكافؤ في فرص العمل وتوزيع الأجور، وهناك نتائج كارثية لارتفاع مُعدّل البطالة، وتتمثل في انتشار ظاهرة تعاطي وترويج المخدرات، فضلاً عن ظاهرة بيع الأعضاء، وقالت ان هناك شباباً يذهبون للخارج لبيع الكلى للحصول على الأموال، بالاضافة الى انتشار ظاهرة الهجرة غير الشرعية والتي تُزهق فيها مئات الأرواح يومياً، ومن انعكاسات البطالة أيضاً ارتفاع معدل الفقر.

تقرير عربي

التقرير الاقتصادي العربي الموحّد كشف أنّ 75% من العاطلين العرب يتركّزون في 5 دول، هي السودان وسوريا ومصر والجزائر والعراق.

تحقيق ام بله النور
صحيفة الصيحة