نزار العقيلي: (الجمعة في الشعبية)
لأحد اصدقائي مقولة رائعة تقول ( العرس عقد و البكاء دافنة ) بمعنى ان حضور عقد القران اهم من حضور بقية مراسم الزواج من حنة و حفلة و ان حضور لحظات الدفن اهم من الوقوف في صيوان العزاء و منذ قديم الزمان اجد نفسي شديد الحرص على صلاة الجمعة خلف أئمة محددين مهما كانت مساجدهم بعيدة لأن صلاة الجمعة ( خطبة ) و قد شاء القدر يوما” أن أصلي صلاة الجمعة في أحد مساجد امدرمان و بمجرد جلوسي في المسجد لاحظت أن خطيب المسجد رجل طاعن في السن و بالكاد يستطيع الوقوف .. بدأت خطبته التي كان يقرأءها من ورقة في يده بصوت خااافت جدا”و أخطاء كارثية في القراءة و موضوع ممل جدا” لا علاقة له بحال البلد و احوال الأمة و الدين .. عدت الدقائق ثقيلة و كاد ان يداهم النوم المصلين .. و عقب الفراغ من الصلاة التفت للمصلين بجواري و قلت لهم ( انتو بتصلو وراء الزول ده كيف ؟؟ ) فجاءني الرد سريعا” من احدهم بان الرجل هو من شيد المسجد ولا يسمح لاحدا غيره بان يعتلي المنبر .
اوقن تماما بان هذا الرجل إن لقي ربه سيرث ابنائه المنبر ليواصلوا طريق ابيهم الذي شيد المسجد و قتل روح الجمعة في نفوس اهل الحي .. و هكذا هي معظم مساجد بلادنا .. إما تحت سيطرة الطرق الصوفية او الجماعات السلفية او تحت سيطرة الدولة و اصحاب المال المختلين .
قبل أيام قادت إحدى الساقطات حملة اسفيرية شرسة تجاه الشيخ الجليل (إيهاب قاسم ) إمام و خطيب مسجد المؤسسة بحري بالشعبية جنوب تتهمه بالوشاية على الثوار .. حملة قذرة جدا جعلت شيخ الشباب يلقي خطبة الوداع بمسجده يوم أمس الجمعة معتذرا” عن إمامة المسجد مما جعل جميع المصلين يلتفون حوله بعد الصلاة في محاولة يائسة للعدول عن قراره .
شيخ إيهاب إبن مدينة بحري البار الخلوق دافعت عنه أحياء الشعبية قبل احياء المزاد موطنه و إنتفض له الشباب قبل الشيوخ لذا لن ادافع عنه بل ساتحدث عنه فقط .
أستطاع شيخ إيهاب في سنوات قليلة أن يكون إمام و خطيب مدينة بحري الأول دون منازع حيث تمتلئ جنبات المسجد و يقف المصلين خارج المسجد تحت لهيب الشمس و بين السيارات في الميدان المجاور للمسجد للإستماع و الإستمتاع بخطبته الطويلة الشاملة التي لن تجعلك تشعر بسوء الأجواء او وعورة ارض الشارع خارج المسجد .. خطبته لا تستثني حدثا” او حاكما” ففيها ستعرف اخبار السياسة و علوم الدين و حال المجتمع و سيحدثك عن مرض حجة فلانة و موت شيخ علان و زواج الشاب فلتكان و سيدعو لهم و يترحم على موتاهم .. شيخ إيهاب يقود المواكب من منبره و يتقدم الثوار و يدافع عنهم .. كيف لا و هم إخوانه و جيرانه و أبناءه فتجده بينهم في ميادين الرياضة و القهاوي و في افراحهم و اتراحهم منذ عشرات السنين .
شيخ إيهاب هو جندي من جنود الإسلام يقف على اهم الثغور مكافحا” و مناضلا” بقلمه و لسانه فلكل عالم سماته الخاصة و ميزاته الفريده و لإيهاب وقار يكسوه تواضع و هيبة مشوبة بانس و إتزان يخالطه إنبساط و نفس مطمئنة واثقة تعشق تعاليم الإسلام و إعتدال مقرون بقيود تعاليم الشريعة .
سيتعب من بعده من يخلفه على المنبر و ستغيب شمس المزاد التي كانت تشرق من المؤسسة و سيعود الناس لحضور الصلاة قبل إقامتها بدلا” من الحضور قبل صعوده للمنبر ليحجزوا لهم مكانا” تحت انظاره .. ستزول لذة الخطبة و يعود مجددا التثأوب بين المصلين .. لن يعرفوا اخبار بحري من الاملاك للحلفايا و ستنطفئ شمعة العلم و تختفي بؤرة الوعي و لن تعود ( جمعة الشعبية ) التي يرتادها المئات من العشاق الذين يفوقون عشاق ( جمعة شمبات ) عددا و حبا” .
شيخ إيهاب هو فعلا” مرشدا” للطريق السليم بإعتداله و وسطيته و علمه و ليس مرشدا” للأمن فالأمن لا يحتاج للشيوخ كي يرشدوه على الثوار .. المرشدين هم السواقط من النساء و المخنثين من انصاف الرجال الذين يدعون النضال .. الأمن صنع لكم مناضلين و كنداكات من بينكم و ليس من المساجد .
نزار العقيلي