صلاح الدين عووضة يكتب : حتى!!
حتام؟..
أو حتى متى؟..
وهو سؤال يناسب عديد الأسئلة..
حتى للأداة حتى هذه….. أداة ماذا؟….. لا إجابة واضحة..
فهي تصلح لأن تكون أداةً متعددة الأغراض..
وهذا ما أتعب سيبويه فقال قوله الشهير (أموت وفي نفسي شيءٌ من حتى)..
وفعلاً مات وفي نفسه شيٌ من الأداة هذه..
فهي تكون مرة أداة جر… ومرة أخرى أداة نصب… ومرة ثالثة أداة رفع..
وأتعبت نحويين كثراً من بعد سيبويه..
وحدهم من لا يبالون بصحيح اللغة هم من لا يتعبون..
ولكن واحداً من هؤلاء تعب..
وكان سبب تعبه أن سيده – لسوء حظه – من كبار النحويين..
وهو يونس النحوي..
فكلما تعب يونس هذا من لحن القول من تلقاء غلامه تعب الغلام..
وذات يوم سمعا طرقاً على الباب..
فذهب الغلام ليرى من الطارق… فكان أخاً لسيده يونس هذا..
فتعب الغلام (مسافة السكة)..
أي لحين بلوغه يونس ليخبره بأن الطارق هو أخوه..
فماذا يقول؟… وكلمة أخ متعبة..
فهي ذات حروف علة – عند نسبها – ستجعله هو نفسه علة… أو عالة..
أو سوف تجعل سيده يصيح: ما هذا (العلة)؟..
ولما وقف أمام سيده تفتق ذهنه عن حيلة تنقذه من الورطة النحوية هذه..
ولعله لعن الطارق – سراً – في تلكم اللحظات..
فقد قال وهو يُؤخر رجلاً ويُقدم الأخرى: إن أخاك أخيك أخوك لدى الاب..
وكأنما يقول له: اختر ما يعجبك..
وفي زماننا هذا ما أكثر الذين يشبهون غلام يونس لغةً..
سيما أهل السياسة منهم..
وحتى بين أهل السياسة هؤلاء خصوصاً أصحاب المناصب العليا منهم..
وأنيس منصور تعب مرة مثل تعب سيبويه..
ولكن سبب تعبه لم يكن الأداة (حتى)…. هذه وإنما الوزراء..
فقد لاحظ أن معظمهم كغلام يونس..
فالواحد منهم لا يستطيع أن يقول كلمتين (على بعض) دون أخطاء نحوية..
فكتب يوماً كلمة في هذا الشأن..
طالب فيها بأن لا يتم اختيار وزيرٍ إلا بعد إخضاعه لامتحان لغة الضاد..
وصباح نشر الكلمة حدث شيءٌ مضحك..
فقد اتصل به أكثر من وزير يسأله غاضباً (انت بتقصدني أنا؟)..
وقبل سنوات قصدت أنا وزيراً بعينه..
والسبب قضية اللغة هذه نفسها… وكان – في غرابة شديدة – وزيراً للتعليم..
بل والتعليم العالي..
وكان ذلك في أواخر عهد الإنقاذ… وأتعبني بمثلما أتعب صبي يونس سيده..
وبمثلما أتعبت (حتى) سيبويه..
وبعد ثورة ديسمبر كدت ألحق بسيبويه هذا؛ موتاً..
فقد أتعبني شيئان تعباً شديداً؛ سوء أداءٍ سياسي… وسوء أداءٍ لغوي..
وفي الأداء اللغوي هذا تحديداً شيءٌ أشد سوءاً..
وهي عبارات من قبيل (من ثلاثون)… (ومنذ ثلاثون)… و(طيلة ثلاثون)..
في إشارة إلى سنوات الإنقاذ..
ينطقها هكذا (حتى) من تقلد منصب وزير – أو سيادي – من جماعة قحت..
فكانت أكثر إيذاءً من فشلهم السياسي..
وكأن حالة (الجر) هذه ليست في قاموسهم اللغوي..
تماماً كما ليس في قاموسهم السياسي شيءٌ اسمه احتكام إلى صناديق الاقتراع..
إلى أن تم (جرهم) من المشهد… فارتحنا..
وإلا لكانت مصيبتي أنا – على وجه التحديد – أكبر من مصيبة سيبويه..
وأكبر من مصيبة يونس مع غلامه..
مصيبة (الجر)..
ثم تلك التي أشاطر فيها سيبويه تعبه ذاته..
حتى!!.
صحيفة الصيحة