قرارات “الطوارئ الاقتصادية” .. هل تحل الأزمة؟
أصدرت اللجنة العليا للطوارئ الاقتصادية أمس، عددا من القرارات التي تهدف الى تعزيز الاقتصاد الوطني وحمايته.
وصدر قرار خاص بتوحيد سعر الصرف وإنشاء محكمة خاصة بالاقتصاد ومحاكمة مخربي الاقتصاد الوطني خاصة العاملين في مجالات التهرب الضريبي والتلاعب في الدولار وتهريب الذهب والسلع.
“الصيحة” استنطقت عدداً من الخبراء الاقتصاديين لمعرفة مدى فعالية تلك القرارات في تحجيم الازمة الاقتصادية الراهنة.
وأكد الخبير الاقتصادي عز الدين ابراهيم في حديثه لـ(الصيحة) ان ازمة الاقتصاد الراهنة لا تتمثل في المضاربات والسماسرة فقط ولا في شخصنة الأمور وجعلها وراء الاحداث، مشيرا الى أن العالم يواجه اضطرابات سياسية وجائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية، مبيناً انها اسباب موضوعية تؤثر خارجيا وعلى السودان داخلياً وترفع من معدلات التضخم، وقلّل عز الدين من إمكانية توفير حلول عاجلة للأزمة الاقتصادية من خلال تلك القرارات. ولفت الى أن هناك زيادة في الطلب على الدولار وارتفاع في معدلات التضخم بمعنى أنه توجد أموال كثيرة مقابل سلع قليلة، مشيرا الى انكماش للاقتصاد السوداني خلال العامين الماضيين، مما أدى إلى تناقص السلع والخدمات وربط ذلك بالاضطرابات السياسية والتي قال إن لها دوراً كبيراً في الأمر بجانب استمرار المظاهرات وإغلاق الشوارع ما اثر في الإنتاج بالإضافة إلى ما شهدته حقول النفط من تفلتات عطّلت انتاج النفط وخلقت أجواءً من التذمُّر والتكاسل عن العمل، وقال إن الأجواء السياسية الراهنة لا تساعد في تدفق الاستثمارات الاجنبية، فضلاً عن تدهور البنى الاساسية ومشكلات الطرق والكهرباء ما يجعل السلع والخدمات تتراجع مع زيادة في تكلفة الإنتاج مما يرفع الأسعار، بيد أنه ذكر أن اللجنة الاقتصادية العليا أتت بحقائق، مضيفاً ان الحكومة تواجه عجزاً في الموازنة، مما دفعها للاستدانة من البنك المركزي. وأشار عز الدين الى ان حجم الكتلة النقدية كانت في ديسمبر ٢٠٢٠م نحو ١.٣ تريليون جنيه وبنهاية العام ٢٠٢١م قفزت الى ٣.٢ تريليون جنيه وما تبقى ودائع في البنوك، ولفت الى عملية التعامل عبر البطاقات المصرفية من الودائع دون كاش، وعزا مشاكل السلع نتيجة كل تلك الأموال، وقطع بأن الحكومة استدانت من البنك المركزي حوالي ٢٠٠ مليار جنيه وضخّتها في الاقتصاد اي حوالي ١٠% من الزيادة في الكتلة النقدية، وحمّل الحكومة مسؤولية زيادة الكتلة النقدية، وأوضح أن البنوك التجارية لها القدرة على خلق أموال من خلال إقراض العملاء وفي شكل ودائع مما يزيد الكتلة النقدية والتضخم، وطالب البنك المركزي باستخدام ادواته لتحجيم نمو النقود في البنوك التجارية بما يسمى الاحتياطي القانوني ورفع نسبة تجميد الودائع من 20% الى ٣٠% وهي من الأدوات المهمة على حد قوله، وأقر عز الدين بمشكلة في السياسات، وقال إن القطاع الخاص اغدقت عليه أموالا كبيرة دون أي زيادة في الإنتاج، وقام البعض بتوجيه الأموال نحو شراء السيارات والدولار مما رفع اسعار الدولار بصورة كبيرة، وبشّر بفشل السياسات التي وضعتها اللجنة، ووصف مطاردة التجار والمتعاملين في الدولار وملاحقتهم بالذهاب في نفس الاتجاه القديم، وجزم بأنّ مشكلة الإنتاج لن تحل بالتوجه نحو الزراعة والتي قال انها ما عادت كافية لتلبية احتياجات المواطن، مُطالباً بتشجيع التصنيع وتوفير الخدمات وتفعيل السياحة والاستفادة من موقع السودان أفريقيًا لتوفير موارد نقد اجنبي تحل من الإشكالات الراهنة، ونادى بتنويع الاقتصاد، واردف لا يمكن أن نعتمد على شوية خرفان وإبل وتسالي في الصادر ولا بد من صناعات متقدمة وتوسيع أفكارنا، مبيناً انها النقطة الأساسية لحل الازمة الاقتصادية الراهنة.
وفي اتجاه مغاير، يرى الخبير الاقتصادي د. محمد الناير ان القرارات التي صدرت عن توحيد سعر الصرف اذا كان الهدف الأساسي منها مجاراة السوق الموازي اذا لم يوجد احتياطي مقدر من العملات الأجنبية والذهب لدى بنك السودان المركزي، فسوف تكون خطوة غير محسوبة، أما اذا كان هناك احتياطي يمكن البنك المركزي من ضخ كميات مقدرة للعمل على استقرار سعر الصرف في سعره المُعدّل الجديد فلن تكون هناك مشكلة، وأعرب الناير عن امله بأن تكون الخطوة محسوبة ومستندة على وجود ما يمكن بنك السودان من السيطرة على سعر الصرف المُعلن، بيد انه عاد وقال بالتأكيد سوف تؤثر على مجمل الأوضاع الاقتصادية في البلاد، لان التخفيض الذي حدث في فبراير العام ٢٠٢١م أثر في كثير من المؤشرات الاقتصادية. ووفقا للتقارير المنشورة دولياً في حجم الناتج المحلي الإجمالي عندما يعادل بالدولار ومتوسط دخل الفرد بالدولار وكل هذه المؤشرات حدث لها انخفاضٌ كبيرٌ ويجب مراعاة ذلك، وأضاف: أما بالنسبة للإجراءات الصارمة تجاه المُخرِّبين للاقتصاد والمُضاربين في الأسواق فيما يخص تهريب الذهب والمضاربة بالدولار وحصائل الصادر، فهي إجراءات مهمة ولكن يجب ألا تكون بمعزل عن وجود سياسات تشجيعية لهذا الأمر، والأهم من ذلك الإسراع في إنشاء بورصة الذهب اليوم قبل الغد باعتبارها تعالج كثيرا من قضايا التهريب بصورة اساسية وتحد من التهريب وتجعل الاستفادة من هذا المعدن النفيس في الاقتصاد كبيرة، وشدد الناير على فرض عقوبات رادعة لكل من يسهم في تخريب الاقتصاد الوطني سواء كان في المضاربة بالعملات او التهرب الضريبي وتهريب الذهب او الاحتفاظ بحصائل الصادر بالخارج دون إرجاعها.
الخرطوم: رشا التوم
صحيفة الصيحة