منى ابوزيد

منى أبو زيد تكتب : أكل العيش

“فإذا رزقت خليقة محمودة.. فقد اصطفاك مقسم الأرزاق”.. حافظ إبراهيم..!

قبل أن يختفي طرف ثوب “إيمان” من فتحة الباب، قرر “عبد الرحيم” أن يطلب يدها للزواج بعد أن رآها وهي تُدفِّق موية الحوض في المجرى الممتد أمام البيت، وما أن فرغ إمام القرية من صلاة المغرب حتى هرع “عبد الرحيم” إلى بيت حاج “علي” والد “إيمان” ومرأى قدميها المُمتلئتين، والتوب منحسر عنهما – إلا قليلاً – لا يفارق خياله ..!

“عبد الرحيم” الذي كان يعمل مدرساً في إحدى القرى المحيطة بمدينة صغيرة خاملة الذكر في غرب المملكة العربية السعودية، عاد إلى قريته بعد غيبة استمرت ثلاث سنوات، “حجَّج” ـ خلالها ـ والديه، وجدد بناء منزل أسرته القديم، وسدد رسوم دراسة أخيه الأصغر بكلية الهندسة المدنية “قبول خاص”..!

وبعد أن أنهى “عبد الرحيم” معظم فروضه الأسرية التي كانت أسرته تحلم بتحقيقها من وراء اغترابه، لم يتبق سوى العروس، التي ما أن وجدها وانتهت مراسم الزواج حتى نفدت أيام اجازته، فـسافر على وعد بأن تلحق به عروسه خلال بضعة أشهر..!

قضت “إيمان” الأشهر القليلة السابقة للحاقها بزوجها في عذاب مقيم، تتقاذفها أسئلة نساء القرية الفضوليات بين سؤال عن بوادر حمل جراء شهر عسل قوامه أسبوع، وبين سؤال عن الورق الخاص بسفرها إلى زوجها في بلاد المغتربين المحظوظين..!

إلى أن حلت البشارة ذات جمعة مباركة في هيئة مظروف أصفر كثير الأختام، جاء “حسن” شقيقها القادم من الخرطوم يقبض عليه بكف، تاركاً كيس الموز المعهود يتدلى من كفه الأخرى.. بكت “إيمان” في المطار كثيراً وهي تحتضن شقيقتها “سوسن”، وحذرتها من التساهل في أمر مواعيد حقنة السكري الخاصة بأمهما المريضة.. ملأت الدموع وجهيهما فاختلطت بالمكياج الذي أصرت “سوسن” على وضعه بعناية وحذر شديدين..!

وقف “عبد الرحيم” في انتظار عروسه بمطار “جدة”، تتقافز الأشواق من عينيه.. ثم بعد السلام وبث لواعج القلب والشوق المقيم، قام باستئجار سيارة أجرة حملتهما إلى القرية التي يعمل بها، وطوال المشوار ما فتئ العريس الجديد يتضاحك في سعادة عظيمة ..!

عند وصول العربة إلى القرية صُعقت “إيمان” من منظر الشوارع القاحلة، والبيوت الشعبية المتواضعة التي تشبه بيوت قريتها إلى حد كبير، لكنها صمتت إلى حين.. وبعد أكل الكبسة وتناول الحلو وشرب الشاي والذي منه.. تنهدت العروس وهي تقول مخاطبة زوجها: “يعني لو ما حسبنا شوارع الأسفلت، والعربات السمحة الواقفة قدام البيوت، وطبعاً الكهرباء الما أظنها بتقطع هنا.. ممكن جداً أكون قايلة نفسي في قريتنا”..!

طقطق “عبد الرحيم” أصابع قدميه، ثم صمت قليلاً قبل أن يقول بابتسامة مسكينة: والله كلامك صحيح.. لكن ما تنسي المرتبات العالية والتوفير.. بعدين – يا “أمونة”! – الريالات السمحة دي هناك – في السودان – نلقاها وين..؟!

صحيفة الصيحة