منى أبوزيد تكتب : بلالة تعود إلى أرض الواقع..!
“الحياة محببة والموت هادئ، لكن المشكلة في الانتقال”.. إسحق عظيموف..!
كانت “ماريا إيلينا” تخبر “لويس فليبي” بأن يذهب إلى الجحيم في الحلقة السبعين بعد المائة من ذلك المسلسل المدبلج الذي ملأ الدنيا وشغل سكان القرى والحضر – لشهور طويلة – عندما ارتفع رنين موبايل “بلالة”. نظرت المراهقة ذات التسعة عشر ربيعاً والتجارب الحياتية المحدودة إلى الشاشة المضيئة – التي كُتب عليها بحروف متقافزة “الشفيع يتصل بك” – قبل أن تتجاهل رنينه، مع سبق إصرار، وهي تتابع بشغف مشهد عودة العلاقة بين البطل الوسيم والبطلة ذات الجمال الخارق..!
كان “لويس فليبي” يمسك بكف “ماريا إلينا” في توسل، وهي ترمقه بعينيها الناعستين في غضب فاتن، الأمر الذي دفع شقيق “بلالة” الأكبر إلى الصياح وهو يضم كلتا يديه إلى منتصف صدره قبل أن يطلقهما في اتجاهين متعاكسين صائحاً في تأثر:
ــ ماريا إيلينا لكن ما عذاب.. عذاب بس..!
تعالت صيحات الاحتجاج من بقية أفراد الأسرة مطالبة إياه بأن يخرس، بينما كان “لويس فليبي” يواصل تسميع الموشح المعتاد:
ــ أنت حبيبتي لا أحد سيأخذك مني.. أتفهمين..؟!
لكن “ماريا إلينا” لا تريد أن تفهم، الأمر الذي يعني المزيد والمزيد من الحلقات حتى يفهم المشاهدون “حاجة”..!
وبينما كانت “بلالة” تشاطر “ماريا إلينا” حزنها – بدموعٍ صامتة – عاد هاتفها إلى الإلحاح في الرنين، “الشفيع يتصل بك”. إلحاح الحروف المتقافزة على الشاشة المضيئة أقلق “اندماجها” الشديد مع المشهد العاطفي، فضغطت على زر الإجابة بغضب، قائلة بنفاذ صبر وهي تمعن في تعطيش الجيم على طريقة أبطال المسلسل:
ــ اذهب إلى الجحيم..!
ــ شنو..؟!
ــ اذهب يا خي..!
أرسل “الشفيع” خطيبها وابن عمها الثلاثيني الذي كان مغترباً بالسعودية إحدى بنات خالاته للتوسط بينه و”بلالة” التي كانت تمعن في التمنع والدلال على طريقة بطلة المسلسل المدبلج إياه. قالت “عزيزة” ـــ التي كانت امرأةً واقعية وزوجةً نمطية ـــــ بنفاذ صبر بعد أن سئمت جدال العروس الذي لا طائل منه:
ــ أسمعي يا “بلالة” النكلمك ضحى.. الراجل دا ما عنده زمن للفارغة..!
ــ ما بعرف يتفاهم يا “عزيزة”.. ما عنده أي رومانسية..!
ــ تتفاهمي معاه براكِ.. أنا ما بمشي أوصِّل كلام “نَي” زي دا..!
كانت “بلالة” تحرك شفتيها لتشبها شفتي “ماريا إلينا” عندما يتزامن خروج الحروف عبرهما مع صوت المؤدية في الدبلجة العربية للمسلسل:
ــ إنت جرحتني وما راعيت مشاعري..!
ــ يا بت فتِّحي عيونك ديل واتكلمي عديل..!
ــ الشفيع يا خي.. أنا ما حاسة بتفاهم بيناتنا..!
ــ كلامي من الليلة ما ح يكون معاك..!
عقد “الشفيع” جميع الاتفاقيات الخاصة بزواجه من “بلالة” مع عمه – والدها – كما تقتضي الأعراف في قريتهم. في الوقت الذي كانت فيه العروس ـــ التي عادت إلى أرض الواقع بفضل صَفعة “مُعتبرة” من والدها حاج الصافي ــــ تتأهب لممارسة دورها التقليدي كزوجة مطيعة لابن عمها الصارم وأم لأطفال كُثُر قادمين..!
في يوم الزفاف كانت فتيات القرية – الخاضعات لقوانين مجتمعهن المَحلِّي الذكوري والراضخات لأعرافه القاسية – يمارسن هواية النميمة بشأن تَمرُّد العروس المراهقة قبل عودتها إلى أرض الواقع، وقد أمَّنت جميع الحاضرات – بحماسة – على كونها جريئة وتستحق “كسر الرقبة”، بينما وحدها “سمية” – مدرسة العربي – هي التي كان لها رأي آخر..!
بعد صمتٍ طويل يليق بالأسماك رَفعتْ الأستاذة “سمية” سبَّابتها اليُمنى – على نحوٍ يوحي بالخطورة – قبل أن تقول مخاطبةً بقية الفتيات في حَذلقة:
ــ “بلالة” واحدة من ضحايا العولمة..!
صحيفة الصيحة