تحقيقات وتقارير

صادرات البترول والذهب .. ضياع بلايين الدولارات !!

كشفت تقارير دولية عن التلاعب في صادرات البترول والذهب في السودان في الفترة من 2012- 2018. والذي بلغ بلايين الدولارات، لم تدخل الخزينة العامة نتيجة الغش في الفواتير والمعايير المتعلقة بالتجارة الدولية.

وقد قامت منظمة النزاهة العالمية وباستخدام بيانات من إدارة الاتجاهات الإحصائية للتجارة التابعة لصندوق النقد الدولي بإعداد تحليل لفجوة القيمة، للكشف عن التلاعب في الفوترة ذات الصلة بالصفقات السودانية في التجارة العالمية. وتعرف المنظمة فجوة القيمة بأنها هي الفرق في القيمة بين ما تعلن عنه بلدان في تبادلاتهما السلعية الثنائية. وتعد فجوة القيمة أحد مؤشرات التلاعب والغش في الفواتير التجارية. وهي تستخدم من اجل نقل أموال أو منتج ذي قيمة من بلد إلى بلد آخر. كما يتم استخدامها أيضًا كوسيلة للتهرب من دفع قيمة الضرائب المضافة والرسوم الجمركية.

• قطاع النفط:

وكشف تحليل القيمة المضافة الذي قامت به منظمة النزاهة العالمية من إجمالي 374 علاقة تجارية ثنائية تم فحصها ما بين السودان وسبعين من شركائه التجاريين خلال الأعوام 2012-2018، أورد السودان أن قيمتها الإجمالية بلغت 65 بليون دولار. غير أن تحريات المنظمة بينت فجوة في القيمة مقدارها 30,9 بليون دولار. وهي تقارب 50% من إجمالي صادرات السودان خلال تلك الفترة مع 70 من شركائه التجاريين. وتعتبر أن تقديرات الدخل المفقود الناجمة عن فجوة القيمة يمكن أن تصل مبلغ 5,7 بليون دولار.

وأشار التقرير إلى أن إثيوبيا من ضمن أكبر عشرة شركاء تجاريين للسودان ولها أكبر فجوات القيمة كنسبة من إجمالي التبادلات التجارية مع السودان خلال السنوات السبعة التي تمت دراستها، بينما تأتي اليابان ضمن 6 من السنوات السبعة.

وأشارت المنظمة إلى أنه بالرغم من انخفاض صادرات البترول بشكل كبير منذ انفصال الجنوب في عام 2011 إلا أنه ظل مصدر أساسي لتوليد النقد الأجنبي في السودان. علماً بأن صادرات النفط الخام في فترة ما قبل الانفصال تراوحت ما بين 11- 64% كل عام. وأحرز السودان المركز 42 كأكبر منتج للنفط في العالم عام 2018.

وباستخدام بيانات إحصائية أوردتها نشرة الموجز الإحصائي للتجارة الخارجية التي يصدرها بنك السودان كل 3 اشهر ومضاهاتها مع قاعدة معلومات الأمم المتحدة، قامت منظمة النزاهة العالمية بإجراء تحليل فجوة التجارة لقطاع النفط السوداني فاكتشفت فروقات مهولة بين مستويات البترول الخام المصدر بواسطة السودان وحجم الواردات التي أفصح عنها شركاء السودان التجاريين ممن استوردوا نفطاً سودانياً خلال ذات الفترة. فقد أفصح السودان عن تصدير 62,3 مليون برميل من النفط، أما شركاء السودان التجاريين فقد كشفوا أنهم استوردوا 112,2 مليون برميل، وهي فجوة تبلغ 49,9 مليون برميل، تمثل 80,1% من إجمالي ما افصح عنه السودان من صادرات بترولية. وفيما يتعلق بالقيمة فقد أفصح السودان عن صادرات تبلغ قيمتها 4,8 بليون دولار خلال السنوات السبعة المشار إليها، أما الشركاء التجاريين فقد أفصحوا عن واردات قيمتها 8,9 بليون دولار خلال ذات الفترة. وهي فجوة قيمتها 4,1 بليون دولار، أي ما يعادل 85,4% من قيمة الصادرات السودانية المعلنة. هذا بالإضافة إلى الفاقد في الضريبة، فإذا افترضنا بحسب ما أورد التقرير معدلًا محافظًا وضئيلًا مقداره 12,5% وأضفنا له ضريبة الدولة على المؤسسات والبالغة 35% فأن الخزينة العامة تكون قد فقدت ما يقارب 2 بليون دولار ما بين 2012ـ2018. وهذا الرقم يمثل فقدًا سنويًا يبلغ 279,4 مليون دولار سنويًا، وهو يتفوق 3 مرات على ما أنفقته الدولة على الضمان الاجتماعي في عام 2017 إذ بلغ ذاك الرقم 89,3 مليون دولار.

واكتشفت منظمة النزاهة أن الهيكل المعماري للضوابط التي تحكم قطاع النفط لا يزال يعج بالمشكلات. فليس هناك تفريقًا واضحًا بين الأدوار التجارية وغير التجارية لوزارة البترول والغاز وسودابت وشركة البترول الوطنية. هذا في المقابل زاد من مخاطر حدوث مطبات تنظيمية. ويتسم منح التراخيص البترولية بغياب بائن للشفافية والوضوح فيما يتصل بإجراءات منح التراخيص وعطاء امتيازات التنقيب. هذا الأمر يزيد من مخاطر التدخل وتورط أشخاص ذوي نفوذ ونزعات وانتماءات سياسية على المستويين القومي والولائي في سلسلة امدادات خام النفط. كما لا يزال السودان يعاني من مشكلات تقديم تقارير صحيحة لحجم الصادرات. وهذه عقبة تعيق فهم حجم ومستوى الدخل والخسائر الناجمة عن سوء الفوترة التجارية في القطاع فضلًا عن تقديم مبادرات وسياسات لبقية مكونات الاقتصاد.
وهناك غياب تام لأي موجهات على مستوى حاكمية مجالس إدارات المؤسسات لإدارة تلك المؤسسات التي تملكها حكومة السودان. وهذا الأمر أثر سلبًا على استقلالية السلطة الرقابية على مؤسساتها. وإن غياب أي نوع من الإجراءات أو القواعد للمعايير التي تخضع لها إجراءات شراء سلع قطاع النفط الخام من شأنها إضعاف خطوط الامداد. وإن هيكل ملكية المؤسسات التي تمتلكها حكومة السودان، بالذات الشركات الزميلة التابعة لشركة سودابت يظل غير واضح ومبهمًا، مما يثير شكوكًا مشروعة حول الملكية الشخصية ذات الصلة بالشخصيات السياسية النافذة الانتماء السياسي المعروف.
وأشارت منظمة النزاهة العالمية إلى أن مثل هذه الفجوات القانونية والتنظيمية من شأنها أن تعطل النزاهة التجارية في قطاع النفط الخام في السودان وتتسبب بالنتيجة في ضياع مدخولات وموارد هامة وحرجة لحكومة السودان.

• قطاع الذهب:

قفز إنتاج السودان من الذهب بما نسبته 114% ما بين 2012ـ 2017. وفي عام 2018 أصبح السودان الثاني عشر ترتيباً في قائمة أكبر منتجي الذهب في العالم. وباستخدام بيانات أوردتها نشرة الموجز الصحفي للتجارة الخارجية الذي يصدره بنك السودان ربع سنويًا قامت منظمة النزاهة العالمية بإجراء تحليل فجوة التجارة، واكتشفت فروقات ضخمة في الكميات وقيمة الذهب المصدر من السودان إلى شركائه التجاريين.

حيث أورد بنك السودان ما بين 2012ـ2018 تصدير 205446 كيلو غرام من الذهب، بينما أورد شركائه التجاريين واردات من الذهب بلغ حجمها 404732 كيلو غرام بفجوة بلغت 199286 كيلو غرام (200طن). وهذا يساوي 97% من حجم ما أعلنه السودان كصادرات. وتبلغ فجوة القيمة 4,1 بليون دولار. إذًا بنك السودان أورد أن قيمة صادراته من الذهب بلغت 8,6 بليون دولار بينما أورد الشركاء التجاريين أن واردات الذهب من السودان قيمتها 12,7 بليون دولار. وتبلغ فجوة القيمة ما نسبته 47,7% من إجمالي القيمة التي أعلنها السودان لصادراته.

في الترجيح أن فجوة القيمة سببها هو صادرات الذهب السودانية غير المدونة والتي تمثل خسائر مالية ضخمة لحكومة السودان.
وباعتبار فجوة القيمة البالغة 4,1 بليون دولار وقيام منتجو الذهب بدفع نسب سنوية للإنتاج فأن تقديرات الخسائر في الدخل البالغة 575,2 مليون دولار ظلت تتكبدها حكومة السودان سنويًا طيلة الفترة ما بين 2012ــ2018. وهو ما كان يمكن ان يستفاد منه في الصرف على عشرات الالاف من المعلمين في بلد يحصل فيه الفرد في المتوسط على 8 سنوات فقط من التعليم.

وفي تحليل الإطار التنظيمي والقانوني لقطاع الذهب اكتشفت المنظمة عدداً من الفراغات التنظيمية في القوانين والتشريعات التي تتحكم في قطاع الذهب في السودان. منها انعدام الإجراءات الواضحة التي توضح ملكية الأراضي ومنح الامتيازات وحقوق التنقيب لشركات التنجيم الكبرى (وعادة ما تكون أجنبية) مما قاد إلى صراعات وتأزم وتطوير حقول تنجيم غير رسمية تقع في تماس مع امتيازات ممنوحة. وليس هناك دليلًا واضحًا أن حكومة السودان تتفهم وبشكل شامل أماكن وعدد مواقع مواردها الطبيعية المتاحة. وهذا الأمر يضع الحكومة في موقف تفاوضي ضعيف عندما تتفاوض حول منح عقود امتيازات أو استكشافات للشركات الأجنبية. وغياب سجل فعَال للأراضي يوضح بيانات الملكية يعطل مجهودات التزام الشفافية المالية ومن يملك وماذا وكم دفع.

غياب تناغم واضح بين أدوار وزارة المعادن والشركة السودانية للموارد المعدنية، مما يترك انطباعًا أن الاستثمارات الحكومية ونشاطاتها الربحية تتداخل مع أدوارها التنظيمية والرقابية. بالإضافة لهذا فإن المخاطر العالية جراء مشاركة تنفيذيين نافذين في كل مستويات سلسلة الامداد من شأنه أن يعيق نزاهة العمليات التجارية بشكل عام يؤثر على الاستقلالية المؤسسية.

وعند منح حقوق التعدين فإن هناك غياباً للشفافية في المفاوضات، منهجية العطاءات والحصول على العقود. التدخل السياسي والتورط والتلاعب بين المتنافسين على العطاءات وتدخل مسؤولين حكوميين أمر معلوم ومألوف الحدوث إذ يغيب التنافس المفتوح على العطاءات المقدمة، علاوة على ذلك فأن هندسة هيكل الحاكمية يشجع على الاحتكار والمحاباة وتدخل النافذين السياسيين.

وخلال عمليات الاستخراج يلاحظ وجود تشريعات محلية ذات محتوياتها مصممة لأغراض سيئة علاوة على ضعف تنفيذ القوانين على المستوى القومي والولائي بالإضافة إلى انعدام التدقيق المحاسبي على الوسطاء والمستشارين فضلًا عن ضعف حفظ الملفات ضمن كثير من عوامل المخاطرة الأخرى.

وعند تحليل تمويل التجارة ومناهج التصدير لاحظت المنظمة عدم كفاءة تنفيذ طرق التخليص الجمركي وضعف القدرات الفنية لمراقبة تطبيق المكافحة التجارية لغسيل الأموال. ضعف تبادل المعلومات للتجارة العابرة للحدود، فقر المعلومات المدونة الخاصة بالإنتاج والواردات والصادرات، عدم كفاءة التمويل في القطاعات المالية الرسمية وضعف تفعيل الالتزامات الخاصة بمحاربة غسيل الأموال في أعمال التصدير الخاصة.

وبشكل مجمل فأن تلك الفجوات التنظيمية والقانونية تضعف النزاهة التجارية لقطاع الذهب في السودان مما ينتج عنه خسائر مباشرة تتكبدها حكومة السودان في الدخل والمورد، بينما تستمر التجارة والتعدين غير المشروع بصورة مباشرة.

تحقيق: قرشي عوض
صحيفة الجريدة