منى ابوزيد

منى ابوزيد تكتب : المَضحوك عليه..!

“الأشياء التي تَبعث على الضحك ليست مُسلية دائماً، أحياناً تتنكّر خيباتُنا في هيئة نُكتة”.. غادة السمان..!

(1)

هنالك طرفة شهيرة تحكي عن زوجة استبدّ بها الغضب من سُوء معاملة أهل زوجها في غيابه، فطلبت الطلاق من شقيقه الذي استجاب لطلبها – على الفور – قائلاً “أنت طالق بالثلاثة”. ومبعث كونها نكتة هو اعتبارها لغزاً إدراكياً يعتمد على انعدام العلاقة التعاقدية بين الطالب والمطلوب، وعندما يقوم المُستمع بفك شفرة المُفارقة يتحقّق الضحك بصورته الفيزيائية، ودلالته الاجتماعية التي ترى في طلب الزوجة عبثاً لا يَبزُّه في عبثيته إلا استجابة شقيق الزوج الغافل عن كل هذا الهراء، والغائب عن مسرح الحدث نفسه. إنّما لو كان الزوج قد أوكل شقيقه لإيقاع الطلاق لانتفى سبب الضحك، ولما قامت لتلك النكتة قائمة. فقد جوَّز الفقهاء التوكيل في الزواج والطلاق والخلع والرجعة. لكن مُعظم النكات – بطبيعة الحال – هي عصف ذهني إبداعي، تنتجه أفكارٌ عريضةٌ، لها سيقان طويلة، تسير على أرض هذا الواقع، وتتغذّى في طرافتها على وقوفها أمام غرابة بعض المضحوك منه في سلوك البشر الخطائين، ومواقفهم التي تمتلئ حيرةً وتناقضاً وعناداً، وجهلاً حيناً، وجهالة أحياناً، ثم تفيض وتفيض، فيكوِّن ذلك الفائض عنها هو “شر البلية” الذي يُضحك. إذن شفرة المُفارقة – في تلك النكتة – كانت تقديم طلب عاجل إلى غير جهة الاختصاص، وقيام تلك الجهة غير المُختصة بالتصرُّف وفقاً لذلك الافتراض. وإذا أخضعنا هذه المسألة لبعض القياس سنجد أنّها تنطبق على كثير من صور مُعاملاتنا العامة والخاصة، وهي أحد ملامح العشوائية التي اُبتلينا بها حُكومةً وشَعباً..!

(2)

في أواخر سنوات حكم الإنقاذ، راجت شائعة بشأن حوادث اختطاف بعض النساء، فتَفتقَتْ قريحة السُّودانيين – كعادتها – عن بعض الطرائف والنكات المحلية التي تسخر من شر البلية. والتي تقول إحداها إنّ شخصاً يدعى “ود منشار” قد قام بكتابة بيان شديد اللهجة، حذّر فيه تلك العصابات من إيذاء حرمه المصون، وقد جاء في نص البيان – موضوع النكتة – “اسمه ولقبه واسم زوجته ووصف دقيق لشكلها، ثم وصف تفصيلي لعنوان سكن الأسرة، وتبرّع ببعض المعلومات المُساعدة على غرار أنّ زوجته تذهب أحياناً بمفردها في الفترات المسائية لجلب متطلبات المنزل من السوق المجاورة، كما تذهب أحياناً لزيارة بعض أقاربها الآخر من الشارع. وعليه فكل من تسوّل له نفسه الاقتراب أو المساس بزوجته سوف يكون آخر يوم في حياته، والله لا يضيع أجر من أحسن عملاً. والبناء اللغوي الذي يحكم صياغة هذا النوع من النكات يشترط عليك أن تضحك – على طرافة المعنى المسكوت عنه – دون أن تخضعها لأي منطق، بافتراض أن الفهم الذي تنطلق منه أسباب الضحك خياليٌّ ولا يُمكن إخضاعه لأي واقعٍ معيش. وفي تصريحات بعض السياسيين – أحياناً – هنالك أيضاً معنى مسكوت عنه يكون هو الهدف الرئيسي من بعض البيانات المنشورة والأحاديث المعلنة، وبالتالي يكون هو الأولى بالالتقاط والتفنيد ومن ثَمّ الجرح والتحليل، ومن ثَمّ الضحك من شر البلية..!

(3)

من أبلغ ما قيل في تعريف الضحك تلك اللوحة السوريالية التي رسمها له المؤرخ السينمائي السوفيتي “يورنيف” عندما قال “إنّ الضحك يمكن أن يكون سعيداً أو حزيناً، طيباً أو قاسياً، متعالياً أو كسيراً، ودوداً أو عدوانياً، ملتوياً أو مُباشراً، لعوباً أو ساذجاً، رقيقاً أو بذيئاً، إنّه مُتعدِّد المعاني وبلا معنى”. فالضحك بحسب ذلك التعبير الفني البديع “كائنٌ حيٌّ يمشي على قدمين” تخلقه روح “الضاحك” وتغذيه طرافة “المضحوك عليه”..!

صحيفة الصيخة