منى أبوزيد تكتب : آخر العلاج “الكي”..!
“يجب أن يتدخّل المنطق حين تخذلنا الحواس”.. غاليليو..!
كان الشعور بالضجر قد بدأ يخيم على المكان، عندما اقترحت صاحبة مركز التجميل أن تقص على مسامعنا إحدى حكاياتها الواقعية المدخرة لإنعاش مزاج الزبائن!.. وهكذا، بلا مقدمات – وعلى طريقة رواة السيرة الهلالية في المقاهي الشعبية، عقدت حاجبيها على نحو يوحي بالخطورة، وبدأت تروي لنا الحكاية التالية..!
).. يومها كنت أقف في انتظار زوجي بصالة الوصول بمطار أبو ظبي عندما اقتربت مني شابة جميلة في مقتبل العمر، وسألتني أن أساعدها في الاتصال بزوجها الذي ظلت تنتظر قدومه لساعات دونما خبر!.. سألتها هل كان على علم بموعد وصولها فقالت بأنها أخطرته عن طريق الفاكس الخاص بمكتبه في إحدى شركات أبو ظبي الكبرى حيث يعمل مهندساً(..!
بعد أن حاولنا الاتصال بأرقام هواتف زوجها دون جدوى، اقترحتُ على الشابة أن ترافقني إلى بيتي، وهناك على مائدة العشاء روت لي حكايتها كاملة.. كانت تؤدي مهامها الوظيفية بأحد البنوك ذات صباح، عندما وقف رجل تبدو عليه مظاهر الاغتراب، طالباً سحب بعض مدخراته المالية الوفيرة.. مظهره الأنيق سهّل مهمة كيوبيد على نحو عملي يليق بموظفة تكسب عيشها من حساب الأموال.. فتم الزواج سريعاً – على طريقة زواج المغتربين – دونما أي “شورة” أو سؤال.. ثم ها هي تقرر اللحاق به بعد أن تهرّب من الوفاء بوعده في اصطحابها..!
بعد أن صدق حدسي واكتشفنا زيف العنوان ـ والكلام لا يزال للسيدة الثرثارة صاحبة المحل وراوية الحكاية ـ اقترحت على زوجي أن يقوم بالبحث عن العريس الهارب، بمساعدة صور الزفاف التي كانت بحوزتها.. وبعد جولة لا بأس بها بين شقق العزابة، ظهرت الحقيقة (عرفنا مكان وهوية العريس الذي اتضح أنه يعمل غسّال ملابس بأطراف مدينة أبو ظبي)!.. أوصلنا العروس المخدوعة حتى باب بيته المتهالك، ثم ولينا الأدبار..!
كنا نظن – والظن لا يغني من الحق شيئاً – أن حكاية العروس المصرفية، زوجة الغسال الذي انتحل شخصية مهندس قد انتهت، لكن التاجرة الخمسينية اللحوح عاجلتنا قائلة، وهي تبتلع ريقها في حماسة:
“اصبروا ما شفتو الحصل”!.. بعد مرور عام قابلت الزوجة المخدوعة في أحد الأسواق مصادفةً، كانت تبدو في أحسن حال، على حجرها رضيعة جميلة، وحول معصميها أساور ذهبية ثمينة.. أدهشتني مظاهر الراحة والدعة ورغد العيش التي كانت بادية عليها، فسألتها عن حالها، ولماذا لم تعد أدراجها إلى السودان بعد معرفة الحقيقة..؟!
أخبرتني بمزيج من الضيق والفخر أنها تقيم في أبو ظبي وتعمل بجهد وتكسب مالاً وفيراً، فلماذا تعود؟!.. سألتها بفضول: (بالله اشتغلت؟!.. كويس والله.. في ياتو بنك)؟!.. أطلقت محدثتي ضحكة ساخرة طويلة قبل أن تهتف في حبور:
ـ بنك شنو؟!.. أنا شغالة مع زوجي.. غسيل ومكوة..!
صحيفة الصيحة