مطلوب (بيرسترويكا) سودانية!
تابعت بالأمس ورشة لتطوير مهنة المحاسبة في السودان، نظمها مجلس تنظيم المهنة بالسودان بالتعاون مع البنك الدولي، بفندق (كورنثيا) بالخرطوم للتباحث حول كيفية تطوير المهنة، والارتقاء بها من المحلية إلى العالمية.
رئيس العلاقات الخارجية بالمجلس الأستاذ مصطفى سالم ربط نجاح مهنة المحاسبة في السودان بالإلتزام بالمعايير العالمية، مطالباً في حديث بثته بعض القنوات الفضائية بسن قوانين تعمل على تطوير المهنة- لأن قانون الشركات المعمول به في السودان الآن، هو قانون 1925م.
حديث السيد مصطفى سالم جدير بالاهتمام، خاصة وإنه طالب بأن يكون هناك عدد كبير من المحاسبين لوقف إستشراء الفساد، لكن إيقاف الفساد لن يكون بزيادة عدد المحاسبين فقط- كما طالب بذلك السيد سالم- لأنه ومع جيوش المحاسبين الجرارة يمكن للفساد أن يكسب المعركة من خلال التحايل على القوانين فـ (الحرب خدعة) والمعركة بين الخير والشر ستظل دائرة إلى أن يرث الله الأرض وما عليها، وقد نسب للمفكر السوداني الكبير الراحل الأستاذ بابكر كرار-رحمه الله- مقولة: (ليس هناك أقوى من الفساد في السودان) التي ظلت أصداؤها تتردد على مر عصور الحكم في أذهان الحادبين على مصلحة الوطن والمواطن، ولا نريد استخدام مصطلح (الصالح العام) الذي شاهت صورته، وأضحى رمزاً للظلم البائن في الإطاحة بالخصوم السياسيين والشخصيين منذ رفع اليسار السوداني ذات يوم، شعار (التطهير واجب وطني)، ودخل ذلك في أدبياته من خلال الغناء والأناشيد الاكتوبرية- لو تذكرون- وتكرر الأمر ذاته بصورة عكسية عندما فشل الإنقلاب الشيوعي على الرئيس نميري عام 1971م، فانقلب السحر على الساحر، وبدأت حملة إنتقامية، أطاحت برموز اليسار والقوى التقدمية، من وظائف الدولة العامة، التي أضحت بين يوم وليلة وظائف خاصة بـ (النظام).
تكرر الأمر ذاته عقب انتفاضة أبريل عام 1985م، وبدأ تطبيق قانون الصالح العام، ليطيح بخصوم حكام ذلك الزمان الذين لم يأت بهم انتخاب، ثم تكرر بعد نجاح نظام الإنقاذ في الاستيلاء على السلطة، لتتم الإطاحة بكل مخالفيها السياسيين، ليصبح قانون الصالح العام نفسه نموذجاً من نماذج الفساد السياسي، خاصة إذا ما اعتمدنا تعريف البنك الدولي للفساد بأنه (إساءة استعمال الوظيفة العامة للكسب الخاص)، أو تعريف منظمة الشفافية الدولية للفساد بأنه (كل عمل يتضمن سوء استخدام المنصب العام لتحقيق مصلحة خاصة ذاتية لنفسه أو جماعته).
إذن الحكم هو أول أبواب الفساد والإفساد، والتداول السلمي للسلطة يحمي الحاكم والمحكوم معاً، ويحمي الوطن قبل كل شيء، وقد نسب للورد البريطاني (اكتون) نهاية القرن التاسع عشر: (السلطة مفسدة، والسلطة المطلقة فساد مطلق.. الرجال العظام غالباً ما يكونوا رجالاً سيئين).
محاربة الفساد لن تكون بحراسة دفاتر الانفاق الحكومي والعام بجيوش من المحاسبين، بل تكون باعتماد مبدأ الشفافية في التعامل مع المال العام، وإلا فإن غيابه يعني أن شيئاً ما يجري في الغرف المظلمة أو المغلقة، أو أن هناك ما يتم تسلمه (تحت الطربيزة).
عدم إعتماد مبدأ الشفافية سيصم الدولة النظيفة بأنها فاسدة حتى وإن تجنح إلى فساد أو منكر.
نحن في حاجة إلى إعادة هيكلة نظام الخدمة المدنية، وتطوير قوانينها، ونحتاج إلى إصلاح اقتصادي يقترن بالإصلاح السياسي، الذي يجب أن يعني بالإصلاح القانوني، نحن بصراحة في حاجة إلى تطبيق السياسة التي انتهجها الزعيم السوفيتي السابق ميخائيل غور باتشوف، وهي سياسة إعادة البناء التي تعني بالروسية الـ (بيرسترويكا).
ليتنا أضئنا الأنوار في كل مكان، فالخفافيش لا تعيش إلا في الظلام.
بعد ومسافة – آخر لحظة
[EMAIL]annashir@akhirlahza.sd[/EMAIL]