صلاح الدين عووضة

صلاح الدين عووضة يكتب : قِر قِر!!

من القرقرة..
وكلمة قرقرة من بين معانيها الضحك..
وقرقِر؛ فقد تقرقر الدنيا معك؛ أو كما يُقال: أضحك تضحك الدنيا معك..
ولكنها قد تقرقر فيك… ومنك… وعليك..
وهناك مفارقات في حياتنا تستدعي القرقرة؛ لا محض ضحكٍ وتبسم..
وأنا – شخصياً – كنت أقرقر أيام (مايو)..
وذلك كلما قرأت عبارة (جمهورية السودان الديمقراطية)؛ لاحظ: الديمقراطية..
وهي كانت تيمناً بأختٍ لها في اسم ألمانيا الشرقية..
ثم لا السودان كانت به ديمقراطية؛ ولا ألمانيا ذات الطابع السوفييتي تلك..
فكنت أقرقر ساخراً..
وأنيس منصور قال إنه دُعي – ذات مرة – إلى مؤتمرٍ خاص بقضايا المرأة..
وكان مؤتمراً مضحكاً؛ يقول..
فمنصة الخطابة كانت تخلو من أي امرأة؛ ما من أنثى رغم كثرة المتحدثين..
وكان يكذب – هنا – كذباً لذيذاً..
فقد كانت هنالك مفيدة… ونفيسة… وعائشة.. ونادية… والشهيرة نوال..
ولكنه لم ير فيهن من تنتمي إلى جنس النساء..
أو هكذا كان يلمح بأسلوبه الجاذب… الشيق… الممتع؛ وأحياناً الماكر..
ثم يقرقر..
وذات مساء استوقفتني صورة فطيرة على واجهة (كافتيريا) بالخرطوم..
وكانت تبدو شهية جداً..
وكُتب تحتها: فطيرة باللحمة المفرومة… والخضار المشكل… والجبن الموزاريلا..
فلم أجد فيها لحمةً… ولا خضاراً… ولا جبناً..
وكانت معدتي تقرقر جوعاً؛ وهذا معنى آخر من معاني مفردة قرقرة..
فقرقرت ضحكاً..
وعند نجاح ثورة ديسمبر تصدت للمشهد – وتصدرته – أحزابٌ قليلة..
وكانت تعيب على الإنقاذ دكتاتوريتها..
فأعادت انتاج هذه الدكتاتورية نفسها على المشهد هذا بأسلوبٍ مشابه..
فالدكتاتوريات تتشابه في كل شيء..
حتى تلك الخارجية التي تنتسب إليها الأحزاب هذه؛ وتشبهها في كل شيء..
فكل حزبٍ منها يشبه الآخر شبهاً عجيبا..
فلا البعث يعرف التداول السلمي للسلطة… ولا الناصري… ولا الشيوعي..
فكذلك كان صدام… وكان الأسد… وكان عبد الناصر..
ولا يعرفون كذلك حريةً… ولا برلماناً حراً… ولا أفراد شعبٍ أحرارا..
فماذا كان يقول أشباههم بالداخل؟..
كانوا يتحدثون عن الحرية… وحقوق الإنسان… والتداول السلمي للسلطة..
فقرقر التاريخ ساخراً..
وقرقرنا نحن..
ومن معاني القرقرة – أيضاً – صوت الحمام..
وعندما بدأ السودان تطبيع علاقته بإسرائيل انفجر الفلسطينيون غضباً..
وأسمعونا ما لم يُسمعوه شعوب الدول المطبعة كافة..
ما لم يسمعه منهم شعب مصر… ولا شعب المغرب… ولا شعب الإمارات..
ولا بقية شعوب دولٍ بادرت حكوماتها بالتطبيع هذا..
ثم مرض رئيس فلسطين؛ فسارعوا به إلى الخارج من أجل العلاج..
وكان الخارج هذا إسرائيل..
كان الدولة ذاتها التي شتمنا أهل فلسطين جراء شروعنا في التطبيع معها..
فقرقر حمام القدس..
وكذلك من معاني القرقرة صوت الشراب بالحلق؛ وصب الماء في وعاء..
وشجرة (حليوة) عايشت هذين النوعين من القرقرة..
وهي الشجرة التي كانت تجلس تحتها من تُسمى حليوة؛ وتبيع المشروبات..
الساخن منها… والبارد… والدافئ..
تبيعها للناشطين؛ فتقرقر المشروبات هذه في حلوقهم..
ويقرقر ما تصبه حليوة لهم داخل أكوابهم – وفناجينهم – طوال فترة نشاطهم..
وطوال فترة نشاطهم هذه كانوا يقرقرون..
يقرقرون بلا معنى…. ولا هدف…. ولا غاية..
ثم نشطوا – على حين ثورة – صوب الثورة؛ فور أن نجحت الثورة..
فلمثل هذا اليوم كانوا (ينشطون)..
وانفضت القرقرة – وانفض المقرقرون – من حول حليوة..
فاضُطرت إلى ترك البلاد… فالشجرة… فالقرقرة… فالمقرقرين ضحكاً..
ثم انفض مولد النشطاء هؤلاء؛ انفض بلا حمص..
وعندما عادوا إلى حليوة – وشجرتها – لمعاودة نشاطهم لم يجدوا حليوة..
ولم يكن هنالك سوى الشجرة..
وسوى قليل من قرقرةٍ… ومقرقرين… ومقرقرات..
وضحك ما كان على أفرع الشجرة – وأغصانها – من طيرٍ ضحكاً شديداً..
قِرقِر!!.

صحيفة الصيخة