تكدُّس الجثث في المشارح وأزمة الدفن في المقابر
عادت قضية الجثامين المجهولة والمتكدسة في ثلاجات مشارح مستشفيات الخرطوم من جديد إلى الواجهة بعد قرار أصدره عضو مجلس السيادة الانتقالي، رئيس اللجنة العليا للطوارئ الصحية عبد الباقي عبد القادر الزبير بتشكيل لجنة لدفن الجثث المتراكمة في ثلاجات المشارح والمستشفيات، وحدد القرار مهام واختصاصات اللجنة في اتخاذ كافة الإجراءات والقيام بالأعمال الخاصة بالتعامل مع وفيات الطب الشرعي، واستكمال الإجراءات القانونية والعدلية والإدارية الخاصّة بالطب الشرعي ودفن الجثث المُتكدِّسة بثلاجات حفظ الموتى.
وأعلنت اللجنة المُختصة بالتعامل مع الجثث المتراكمة بالمشارح، إشراك أسر المفقودين في أعمال اللجنة، مُشيرةً إلى تأكيد الأطباء الشرعيين لالتزامهم للقيام بواجبهم المهني تجاه حفظ حقوق الموتى.
ويُحمِّل مُختصو الطب الشرعي والعدلي، مسؤولية تنامي هذه القضية للنيابة العامة بسبب قرارها الذي أصدرته في (نوفمبر 2019)، بمنع دفن أي جثة مجهولة الهوية من دون تحقيق، إضافة إلى إنشاء مقابر خاصة بالمجهولين، وأدى التأخُّر في تنفيذ القرارات المطروحة إلى تكدُّس آلاف الجثث في مشارح الخرطوم المُختلفة، وأسهم انقطاع التيار الكهربائي في المستشفيات إلى فضح الأمر بعد تحلل الجثث وانتشار رائحتها في الأحياء المجاورة للمشارح، التي قالت إدارتها عندما حاصرها سكان هذه الأحياء وطالبوها بدفن الموتى، ردت إدارة المشارح بأنها لا تملك قرار دفن الجثامين وليس لها الحق في التصرف، ما لم يصدر قرارٌ من النيابة العامة، ما أثار موجة غضب كبير وسط السكان المتضررين وأصبحت قضية رأي عام تتأثر هبوطاً وصعوداً بتضاريس الساحة السياسية.
وقال مدير الطب العدلي د. هشام زين العابدين لـ(الصيحة)، إن اللجنة عقدت أول اجتماعاتها الأربعاء، لكن ليست المشكلة صدور قرار بدفن الجثامين، إن المشكلة تتمثل في عدم توافر المعينات اللوجستية التي تُساعد اللجنة في دفن هذه الجثث، بجانب تأهيل وصيانة هذه المشارح بتأهيل ثلاجات حفظ الجثث وتحديثها وتوفير عربات لنقل الموتى بما يجعل هذه المشارح مُؤهّلة للعمل ومواكبة، مضيفاً ان كل هذه المعينات غير متوفر منها الحد الأدنى بما يساوي (2% أو 1%)، وأكد د. هشام رغم أن النائب العام سمح بالدفن، لكن تظل الإمكانات عقبة كبيرة تعترض دفن هذه الجثث بدايةً من أن فحص DNA للشخص الواحد يكلف (200) دولار أمريكي، فضلاً عن حفر هذه المقابر وتخصيص شاهد لكل جثة، فهذه التكلفة واضح أنها أكبر من طاقة الحكومة السودانية.
وأشار د. هشام الى أن المشارح تستقبل يومياً أكثر من عشر جثث ودائماً يكون من بينهم أربع او خمس جثث مجهولة الهوية ويتطلب حفظها في المشرحة، مضيفاً أنّ عدد الجثامين المجهولة التي تستقبلها المشارح سنوياً قبل الثورة يصل لـ(800) جثمان سنوياً لأشخاص كبار في السن، هذا خلاف الأطفال حديثي الولادة.
وأكد د. هشام أن الأزمة بدأت بصدور قرار النيابة الصادر في نوفمبر 2019 نتيجة شكوك بوجود جثامين مفقودين من فض الاعتصام بالمشارح معروفي الهوية، عندها كوّنت لجنة للمفقودين وصدر قرار من النائب العام، منع بموجبه تشريح ودفن المجهولين من الموتى داخل المشارح، وهذا سببٌ رئيسيٌّ في تراكم الجثث داخل المشارح حتى وصل عددها الآن لأكثر من (2200) جثة متراكمة في داخل ثلاجات المشارح التي هي في الأساس سعتها الاستيعابية لا تزيد عن مائة جثة، الآن الثلاجة موجود فيها ثلاثة أضعاف سعتها، وأوضح د. هشام أن النائب العام بهذا القرار منع دفن الجثامين وكان هذا الخطأ لأنه بهذا المنع في مقابل الإمكانات المتواضعة للمشارح في دولة تعاني من عدم استقرار في الإمداد الكهربائي والمشارح فقيرة لا تملك مولدات، في بلد درجة الحرارة تصل فيه لـ(50) درجة، بالتالي في ظل هذا الوضع المُتردي تراكمت هذه الجثامين وهي دخلت للمشرحة بموجب بلاغ وأورنيك جنائي.
وأشار د. هشام إلى أن اللجنة التي كوّنها مجلس السيادة ووضع على رئاستها النائب العام، باعتبار أنّ أيِّ متوفٍ مجهول مسؤولية الدولة مُمثلةً في النيابة وهي بمثابة ولي أمر، أما المشارح صلاحيتها ومهمتها هي تشريح الجثمان وكتابة التقرير، وليس من صلاحيتها الدفن إلا بعد أن تصادق عليه النيابة العامة، مضيفاً أن قرار منع الدفن الآن من صلاحيات النائب العام وبإمكانه يصدر قراراً بإلغائه ويسمح بالدفن حسب الأسس العلمية المُتّبعة.
الخرطوم- الطيب محمد خير
صحيفة الصيحة