الطاهر ساتي

الطاهر ساتي يكتب.. الدولة الغائبة..!!


إليكم…….. الطاهر ساتي
:: حادثتات بدارفور، إحداها ذات ضحية والأخرى ذات ضحايا، والعامل المشترك بينهما غياب دولة القانون.. بشمال دارفور، بأحد مساجد الفاشر، لقي شاب مصرعه على يد متسولة أجنبية، والمرحوم كان قد تدخل لفض شجار وقع بين المتسولة وبعض المصلين بسبب منعها من التسول أمام باب المسجد، فاستلت المتسولة سكيناً وطعنت بها الشاب، رحمة الله عليه.. للتسول قانون يمنع ذلك، وللوجود الأجنبي أيضاً قانون ينظمه، ولكن أين دولة القانون؟.. عندما غابت الدولة، دفع الشاب ثمن الغياب..!!
:: أما بمحلية كرينيك، بغرب دارفور، فالمصيبة عظمى وحجم الضحايا يتعاظم.. وبدأت المأساة قتل بعض المسلحين اثنين من الرعاة، ثم هربوا إلى مدينة كرينيك، فغارت المليشيات الرعوية المسلحة على المدينة، وقضت على ما فيها من حياة الناس وأسواقهم ومرافقهم، بحيث لم تعد كرينيك تصلح لبقاء الناجين من المجازر.. وكل هذا يحدث رغم أنف اتفاقية السلام.. وكما تعلمون فإن السلاح في دارفور لا يعترف بالاتفاقيات، لأن سلطة استخدامه بيد حامله، وليس بيد الدولة..!!
:: كتبنا كثيراً، ولكن بلا جدوى.. فالدول ذات الأنظمة الراشدة هي التي تحتكر السلاح بواسطة قواتها النظامية (فقط لا غير)، ثم تدع بقية السلع للمجتمع المدني.. ولكن النهج المتوارث في بلادنا، في كل العهود والأنظمة، هو أن النظام يحتكر كل أنواع السلع، ويدع الأسلحة – فقط لا غيرها – للمجتمع المدني، ولذلك يحدث التطاحن القبلي بين الحين والآخر.. وكثيرة هي المعايير، ولكن من أهم معايير تصنيف الدول الفاشلة هو عجز السلطة الحاكمة عن احتكار السلاح بواسطة أجهزتها النظامية..!!
:: والمؤسف، رغم وضوح أسباب الحرب، لا تفكر حكومات السودان، الشمولية منها والديمقراطية، إلا في الحلول التي تجدد الحرب ولا توقفها.. وكالعهد بهم عقب كل تطاحن قبلي، سوف تشهد غرب دارفور مؤتمرات صلح، جلاليب وعمائم، تهليل وتكبير، دفع الديات، ثم تصريحات رومانسية عن العلاقات الأخوية بين القبائل المتحاربة، ثم تشتعل حروب أخرى، في ذات الأمكنة أو أمكنة أخرى، لأن تلك الحلول كانت محض تخدير مراد بها دفن آثار المعارك وليس دفن الأسباب..!!
:: لن تبذل الحكومة من الجهد ما يضع حدّاً لهذا الاقتتال المتكرر.. لن تفرض الحكومة هيبة الدولة، ولن تحتكر السلاح بواسطة مؤسساتها النظامية.. ولأن الطبيعة لا تقبل الفراغ، فإن غياب هيبة الدولة يعني (سطوة القبيلة) لحد امتلاك الأسلحة واستخدامها كما تشاء.. وقبل أن يفقد ما تبقى من الشعب هناك ما تبقت من دولته، ابسطوا قوة القانون، ثم سارعوا إلى التنمية في دارفور والتعليم.. فالتنمية والتعليم هما ترياق الحرب والفقر.. والسواعد التي لا تحمل معاول الإنتاج وأقلام المعرفة، هي السواعد التي تحمل السلاح..!!

صحيفة اليوم التالي