إبراهيم عثمان: عن كربة قاش نميري
تعود السيد نائب رئيس السيادي أن ينداح في الحديث بوحي اللحظة، وبمنطق شعبوي تغلب عليه المغالبات والعنتريات حيناً، والمسكنة والتواضع حيناً بفواصل زمنية قصيرة، وأحياناً لا تزيد عن المدة ما بين بداية الخطاب ووسطه أو نهايته، يحدث ذلك بلا أدنى اهتمام بخصوصية الموقع الذي يشغله وما يفرضه من ضوابط للحديث، ولذلك تكثر رسائله الصريحة والضمنية المتناقضة التي تتناثر في كل الاتجاهات وتصيب بأذاها الجميع .. إذا أخذنا تصريحه عن استعدادهم لتسليم السلطة للنميري إذا قام من قبره لأنه ( كان كارب قاشو ) وبحثنا عن رسائله الصريحة الأكيدة التي تصل فوراً، والضمنية التي تتوفر لها شواهد، والمحتملة، وبحثنا عن العقلية التي تقف وراء تصريح كهذا، سنجد أن التصريح :
▪️يأتي من عقلية احتكارية تسلطية تحمل عقيدة أن السلطة ملك خاص له، ومن حقه أن يتصرف فيها بالمنع والعطاء كيف ومتى ولمن شاء .. وفي هذا ما فيه من استحقار للشعب وتغييبه بالكامل عن القرارات المصيرية ..
▪️يتناقض جملةً مع أحاديث الإنحياز للثورة المزعومة، فالاعتصام الذي دبره العسكريون وحشدوا له المدنيين اختاروا له يوم ٦ ابريل برمزيته ضد مايو والنميري، فكيف يمكن لمؤمن حقيقي بالثورة المزعومة أن يتحدث – ولو لغرض التدليل على زهد وهمي – عن تسليمها للنميري الذي جاء شعار ( الردة مستحيلة ) أول ما جاء ليحسم الموقف من أي شكل من أشكال عودة نظامه؟ …
▪️يحمل عرضاً تسليمياً وهمياً ومستحيلاً لميت، وكأنه يريد أن يقول إن الوحيد الذي يستحق أن نتنازل له هو رجل ميت وبالتالي فنحن أولى بالسلطة، ويتجاهل أن التسليم المطلوب هو لسلطة منتخبة … وهذا يرسل رسالة غاية في السلبية عن الموقف الحقيقي للرجل من الانتخابات ..
▪️يفتح المجال للظن بأن الرجل إنما يرد على الفيديو الذي نقل جانباً من تقدير الرئيس البشير للرئيس نميري، ووجد انتشاراً واسعاً مصحوباً بتعليقات يغلب عليها طابع المقارنة مع تعامل العسكريين مع البشير رغم إنهم كانوا أقرب مودةً له، وله أيادٍ عليهم أكبر من تلك التي للنميري على البشير … وفي هذا – إن صح – تعريض برئيسه السابق، وليس في ذلك أي عائد حقيقي للرجل الذي يزعم بأنه يتساوى مع البشير في عدم كربة القاش !!
▪️ولا يغلق الباب أمام الظن بأن الرجل إنما يريد التعريض برئيسه والتشكيك في كربة قاشه، وأهليته للموقع الأول … بل وأيضاً في ذات المتحدث وكربة قاشه، اللهم إلا إن كان يقصد أن كربة قاشه الخاصة تقف أمامها عراقيل من الرجل الأول .. وفي هذا – إن كان هو المقصود – ما فيه مما لا يحتاج إلى تفصيل ..
▪️وأخيراً وليس آخراً يفتح الباب أمام التساؤلات عن نوع كربة قاش نميري التي يقصدها : أهي في التصدي للتمردين في ذلك الوقت ؟ أم هي في التصدي للأحزاب وحظرها ؟ أم هي في الحزب الواحد خلف القائد ؟ أم هي في اختياره لعسكريين حوله أقوياء، وليس فيهم من يعترفون بارتخاء قاشهم ( طبيعةً أو إكراهاً ) ؟
إبرهيم عثمان
الخرطوم : الراية نيوز