رأي ومقالات

هشام الشواني: الفساد الراقي الذي تحبه (قحت)


مشكلة قوى الحرية والتغيير مع الإنقاذ ليست مشكلة حول الفساد، بل حول طبيعة النظام الرأسمالي ونوع النفوذ والهيمنة، نخبة الإنقاذ تمثل مصالح قطاع رأسمالي معين. وقيادة قوى الحرية والتغيير تمثل مصالح قطاع رأسمالي آخر.
نخبة رأسمالية الإنقاذ هي فئات لها وضعية في التركيبة الرأسمالية السودانية، ولها نفوذ وتمدد ومتصلة بالحزب الحاكم حينها ومؤسسات الدولة، هذه الفئات وبرابطة سياسية لحزب قومي تحركت في الفضاء الرأسمالي الدولي بصيغ (رأسمالية تجارية قومية) وبذلك وإن كانت تخضع لذات شروط نمط النظام الرأسمالي، من استغلال لفائض القيمة ونزعة نحو تحقيق أكبر قدر من الربح، واتصال مع رساميل دولية. مع الارتكاز على قطاع خاص – مع التحفظ على صفة خاص هذه- ومحلي حزبي ووثيق الصلة بالدولة مثل (شركة زادنا). بهذا الوصف البسيط كانت رأسمالية الإنقاذ أقرب لرأسمالية طبقات (دولتية) وحزبية باتجاه قومي، ونوع الفساد الإنقاذي نفسه هو فساد ناتج من طبيعة حتمية في النظام الرأسمالي بجانب سوءات أخرى في ماهية تطبيق المشروع ورؤيته. على أي حال لابد من التنبه إلى أن هذا النوع القطاعي للرأسمالية مختلف عن الاتجاه الآخر الذي تمثله رأسمالية قحت النيوليبرالية.
قوى القطاع الرأسمالي القحتية مثل أسامة داؤود وأنيس حجار و (مو) إبراهيم وغيرهم هي رأسمالية دولية وثيقة الصلة بالمؤسسات النيوليبرالية، تستفيد من صيغ التمويل العابر للحدود، ومصالحها متصلة بقطاعات مالية غربية. وهي تحمل فكرة الخصخصة وخروج الدولة النهائي بشكل صارم، ولا تتعامل ببراغماتية مع النظام الدولي من أجل أهداف قومية، بل تتبنى رؤية مؤسسات النيوليبرالية بشكل تام. هذه الرأسمالية فاسدة بالضرورة، وتحقق أرباح وتكرس لوضع السودان في علاقة تبعية تامة لا فكاك منها أبدا، ونموذجها أسامة داؤود تحديدا والمحاباة التمويلية التي يجدها من مؤسسات نيوليبرالية عالمية.
المشروع السياسي للرأسمالية السودانية مختلف بين قحت وقيادات الإنقاذ، مشروع قحت هو مشروع (رأسمالية نيوليبرالية) في عداء مطلق مع مؤسسات الدولة، بالتالي فإن فساد صيغ التمويل الخارجي، وفساد مؤسسات المجتمع المدني الليبرالي لا يهم قحت كثيرا. أما ما تمثله قيادة الإنقاذ فقد كان مشروعا لرأسمالية مالية تجارية، جزء من رأسمالها محلي وجز آخرء من تمويل عبر صيغ براغماتية مع حلفاء سياسيين محتملين، دول مثل الصين أو رأسمال خليجي.
هناك إذن ثمة فرق نوعي بين القطاعين الرأسماليين (القحتي والإنقاذي)، وبالتالي ثمة فرق نوعي كذلك بين (الفسادين). والفساد حتمي وناتج من طبيعة النظام الرأسمالي نفسه، خلاصة هذا الوصف البسيط هي:
المشروع الوطني السوداني على عداء مطلق وصريح مع اتجاهات رساميل مشروع (قحت)، فلا مكان لقومية أو دولة وطنية داخل ممثلي المشروع النيوليبرالي. أما داخل نوع من الرأسمالية القومية التي تتم وفق صيغ مؤسسات سياسية فعالة ومشروع يقود للتصنيع والتطور فالأمر مختلف، وهنا ومن خلفية (جوسياسية) يمكنك أن تفهم بوضوح الفرق بين الرأسماليتين والفسادين الإنقاذي والقحاتي سياسيا، ومن خلفية قومية ستكون على عداء صريح مع الفساد الذي ترغب به قحت، أما من خلفية فوطنية فستتخذ وضعية معارضة راشدة من سياسات مشروع مثل الإنقاذ.
هشام الشواني