تحقيقات وتقارير

التفلتات الأمنية و (٩) طويلة .. تقاعس أمني مع سبق الاصرار!

تفشت ظاهرة السرقات والاعتداءات بالعاصمة الخرطوم بصورة مقلقة وارقت مضاجع الأسر، لا يمر يوم وإلا تكون حادثة حدثت باحياء ومدن ولاية الخرطوم. بات الحديث في المدن والقرى والشوارع هذه الأيام عن ما تشهده العاصمة وولايات السودان من انفلاتات أمنية مرعبة تمارس في أطراف النهار، وآناء الليل.

افرزت الجرائم واقعاً لم يكن معتاداً من قبل، ليختصر المئات من سكان الخرطوم حياتهم بالفترة الصباحية قبل أن يسدل الليل ستاره، أما الفتيات فباتن في مرمى الخوف من استهداف المجرمين لهن، ليصبحن مقيدات في حركتهن وبرامجهن، لدرجة ان شوارع الخرطوم أصبحت تخلو من المارة ما ان يرخي الليل استاره ،بيد أن الجرائم لم تكن مقتصرة على سكون الليل فقط انها في وضح النهار كان المجرمون ينفذون قاراتهم أمام اعين المارة في كل الاحايين بل وأمام أعين الشرطة أحيانا دون خوف او وجل.

ظلت جرائم عصابات 9 طويلة وغيرها من الجرائم في تصاعد مطرد خلال الأشهر الماضية، وتحديدا عقب الانقلاب الذي حدث في 25 أكتوبر الماضي، وأن هناك حديثاً في الشارع العام أن بعض القوات النظامية وبعض حركات الكفاح المسلح هي وراء الممارسات الاجرامية التي روعت أمن ولاية الخرطوم.

وظلت تلك التفلتات تتطور بشكل لافت دون حسم رادع من قبل الأجهزة الأمنية والشرطية المنوط بها حماية أمن وممتلكات المواطن، وتزدحم محاضر الشرطة بالكثير من الوقائع لحوادث خطف واعتداء على المواطنين، غير ان غالبيتها كانت تقيد ضد مجهول وتنتهي حبرا على ورق محاضر الشرطة لدرجة أن كثيراً من المواطنين اصبحوا زاهدين حتى عن تسويد اوراق دفاتر الشرطة بشكاويهم لقناعتهم أن الشكوى لن تبارح دفترها مطلقاً.

الشارع السوداني يطرح عدة تساؤلات، من يقف وراء التفلتات الأمنية وعصابات ٩ طويلة خاصة وان بعض الذين تم توقيفهم من قبل المواطنين يحملون بطاقات أجهزة أمنية وحركات مسلحة.

وسائل التواصل الاجتماعي حبلى بفيديوهات لحوادث سطو ونهب، بعضها تمارسه مجموعات ترتدي لباساً عسكرياً، والآخر بواسطة أفراد يستخدمون الدراجات النارية في عمليات النهب والسرقة في الشوارع، ما دفع سكان بعض الأحياء إلى تشكيل فرق (دوريات) ليلا. مشيرين بأصابع الاتهام للسلطات الأمنية بعد إظهار تراخي في مكافحتها بصورة حاسمة، وكان آخرها ما حدث في ضاحية بري امس بانتشار اعداد كبيرة من عصابات 9 طويلة والنقرز في احياء بري وضاحية امتداد ناصر لدرجة ان المواطنين تنادوا عبر مكبرات الصوت بالمساجد لمواجهة الغزو الاجرامي فكان نتاج ذلك مواجهات بين شباب مناطق بري وناصر والمجموعات المتفلتة التي استطاع الشباب القبض على 14 منهم تم تسليمهم للشرطة فيما استمرت الدوريات الشبابية في تمشيط المنطقة من شارع اوماك وحتى شارع المعرض حتى صباح امس.

وقال أحمد عباس أحد الشباب الذين نشطوا في دوريات بري لـ(الحراك السياسي): ان مدينة بري شهدت مواجهات نهارية بين الثوار والشرطة من خلال التظاهرات المستمرة التي ينفذها الثوار وكانت المواجهات عنيفة جدا ارهقت الشباب غير ان بعض الشباب لاحظوا عربات مجهولة تقوم بانزال مجموعات من النقرز المسلحين بالاسلحة البيضاء ما حدا بالشباب التوجه الى المساجد واطلاق نداء عاجل نزل على اثره الشباب لمواجهة المتفلتين وتأمين المنطقة في ظل غياب الشرطة، مشيرا إلى ان ما حدث أمر مخطط له تماما من جهات معادية للثورة تريد ان تكسر به همة الشباب.

وحمل الناشط الاجتماعي أحمد عثمان ما يحدث في الخرطوم من تفلتات أمنية او في بعض الولايات الأخرى إلى مجلس السيادة الذي يغض الطرف عما يجري، وقال لـ(الحراك السياسي) : إن ٩ طويلة ما هي إلا خطة خبيثة منظمة يقف وراءها النظام البائد بمباركة من اللجنة الأمنية التي تتبع لهم برئاسة البرهان، وأن التفلتات يراد منها الضغط على الشعب حتى يقول (يا حليل البشير)!

ومضى أحمد بقوله: عقلية الكيزان بها عطب بمحاولتهم البائسة خلق وضع بالعنف وبالقوة، وأنهم نسوا أن الشعب السوداني ركلهم إلى مزبلة التاريخ وأن محاولاتهم ستفشل لا محال، لأن هزيمة الشعب مستحيلة.

وقال إن الأفراد الذين يمارسون التفلت لأنهم أمنوا العقاب، وأن ما يحدث هي ممارسة سياسية من الدرجة الأولى، مشيراً إلى أن تسعة طويلة وكافة انواع التفلتات الأمنية سوف تستمر إلى نهاية الانقلاب وستعود الحياة الآمنة مع نهاية الانقلاب، وأضاف: الحكم المدني الديمقراطي سيعيد المياه إلى مجاريها وسيكون الكل سواسية أمام القانون.

الباحثة الاجتماعية عبير عبد الكريم قالت : التفلتات الأمنية التي حدثت وتحدث لها آثار سلبية كبرى متمثلة في الخوف والرعب واصبحت تشكل هاجساً على الجميع صغارا وكبارا لا سيما الأطفال، وتغيرت الخارطة الاجتماعية لأن الخوف وصل لخانة الرعب الذي يسبق الخطوات لدى الأفراد كالذهاب للمستشفيات أو الأهل والأصدقاء أو أماكن الترفيه فضلاً على دور التعليم.

وقالت عبير لـ(الحراك السياسي): تعود أسباب الانفلات الأمني إلى عدة أسباب على رأسها الوضع السياسي الراهن وعلى السياسيين بشكل كبير ولهم نصيب الأسد، بجانب الأشخاص ضعاف النفوس باستغلالهم للحالة السياسية الخربة، بالاضافة إلى الفقر والحالة الاقتصادية السيئة، فضلاً عن البعد عن الدين الذي أدى بدوره إلى التفلتات الأمنية التي تحدث يوميا في كافة ولايات السودان و العاصمة الخرطوم.

ونصحت عبير المجتمع باعلان روح التكافل والتعامل مع بعضهم البعض بشكل قوي وكبير لقطع الطريق أمام ذوي النفوس الشريرة، وعلى السياسيين نبذ الخلافات ووضع الوطن والمواطن في حدقات العيون، لأنهم مسؤولون عنه أمام الله وهذا ما اقسموا عليه قبل توليهم المناصب. وعلى القوات النظامية حسم التفلتات الأمنية والفوضى العارمة التي اجتاحت الخرطوم وبعض الولايات بالحسم الثوري وباسرع ما يكون قبل فوات الأوان.

الخرطوم.: مبارك ود السما
صحيفة الحراك السياسي