جعفر عباس يكتب.. عن الرياضة واللا رياضة
خلال عملي في مجال الصحافة الورقية، عملت في أقسام الأخبار المحلية والدولية والتحقيقات والتقارير، وساهمت أحيانا في الصفحات الاقتصادية بمواد مترجمة، والمجالان اللذان لم أسهم فيهما بحرف واحد هما الفنون، حيث التركيز على الموسيقى والغناء والتمثيل الدرامي، وهي عوالم لا أعرف شعابها، والرياضة، التي لا علاقة لي بها كممارس أو متفرج، بعدما صارت بيني وبينها قطيعة تامة، بسبب نفوري من مادة الرياضيات خلال سنين الدراسة، وصرت سيء الظن بممارسة تحمل اسم مادة أكاديمية كادت أن تعطل مسيرتي الدراسية.
بحكم الإقامة لسنوات طويلة في قطر كنت شاهدا على طفرات هائلة في مجالات الصناعة والاستثمار والبنى التحتية فيها، ولكن كل ما أنجزته قطر خلال العقود الماضية “كوم” وما أنجزته خلال السنوات الخمس الأخيرة “كوم آخر”، ومعلوم في كل مكان في العالم أن قطر ستستضيف بعد خمسة أشهر منافسات كأس العالم لكرة القدم، ولكن ما لا يعلمه من يعيشون خارج قطر، هو أنه وفي سياق الاستعداد لتلك المنافسات استكملت قطر شبكة من الطرق الداخلية والسريعة والجسور والأنفاق تغطي احتياجاتها، حسب تكهنات النمو السكاني حتى أواخر القرن الحالي، بدرجة أن كثيرين مثلي توقفت جيناتهم موديل أواسط القرن العشرين عن النمو والتفاعل، باتوا عاجزين عن قيادة سياراتهم داخل العاصمة القطرية تفاديا لـ “الضياع” في الشوارع الأفعوانية.
وقد انتبهت مؤخرا إلى حقيقة ان حضور أو متابعة وقائع مونديال 2022 صار قضية الساعة عند مئات الملايين، ونبهني ذلك إلى حقيقة أن كرة القدم لعبة ديمقراطية، بدليل أن بمقدور البسطاء والفقراء ممارستها والتفوق فيها ـ ففي كل حي وقرية ساحة أو أكثر يمارس فيها الصغار والشباب وحتى “الشياب” تلك اللعبة، لأن تجهيزات ملاعبها بسيطة، ولا توجد بروتوكلات معقدة حول أزياء ممارسي اللعبة كما هو الحال مثلا مع التنس أو البيسبول أو التزلج على الجليد والثلج.
وبينما ظلت كرة القدم اللعبة الشعبية الأولى لدى معظم شعوب الكون، إلا أن الأمريكان لم يلجوا عوالمها إلا قبل نحو عشرين سنة، فبسبب عقدة يعانون منها لكونهم بلا تاريخ قديم (لأنهم غيبوا تاريخ سكان البلاد الأصليين) فقد كانوا ولا يزالون ميالين إلى ابتداع ألعاب لا تعرفها الشعوب الأخرى، فأتوا بشيء اسمه الفوتبول، ورغم أن التسمية تخص كرة القدم و”فوت” تعني قدم، إلا أنهم يلعبونها بالأيدي مرتدين أزياء وقائية لا تتوفر حتى لقوات الصاعقة خلال الحروب، بموازاة البيسبول وهي لعبة إن جازت التسمية، لا تقل سخفا عن الكريكيت الذي يمارسه البريطانيون واستدرجوا شعوب الهند وباكستان وسريلانكا لممارستها، فأدمنوها ولم يعد لهم شأن في أي مضمار رياضي حقيقي.
في كل حي وقرية ساحة أو أكثر يمارس فيها الصغار والشباب وحتى “الشياب” تلك اللعبة، لأن تجهيزات ملاعبها بسيطة، ولا توجد بروتوكلات معقدة حول أزياء ممارسي اللعبة كما هو الحال مثلا مع التنس أو البيسبول أو التزلج على الجليد والثلج.
والأمريكان هم من جعل للملاكمة قيمة وسيماء، وإذا كانت إحصاءات موثقة تفيد بموت 7 إلى 11 ملاكم، وإصابة نحو 25 سنويا بإعاقات بسبب ضربات تلقوها على الحلبات، فلك أن تتساءل: كيف تكون ممارسة تفضي إلى القتل والإعاقة رياضة؟ ثم إذا بالأمريكان يأتون بشيء إسمه Ultimate Fighting Championship أي بطولة ذروة القتال و”الكتاب من عنوانه”، ففيها مسموح بالضرب والركل بالقدم واليد والرأس في كل جزء من الجسم ما عدا الأعضاء التناسلية، وحتى الصولات التي لا تستمر أكثر من دقيقة واحدة يجري فيها الدم مدرارا من أحد المتنافسين أو كليهما.
وهل سباق السيارات رياضة؟ هل من الوارد أن تفوز سيارة كيا على سيارة فيراري؟ مجرد طرح السؤال بهذه الصيغة، وهي الصيغة الصحيحة، يشي بأن الفائز الحقيقي في تلك السباقات هي الشركات المنتجة للسيارات وليس قائد السيارة الفائزة كما يروج الإعلام، وبالمقابل فإن الحصان يلعب دورا مركزيا في سباقات الخيل، ولكن للفارس/ الجوكي دور مركزي في إعداد الفرس للسباق بالمران المكثف، كما وأن قيادة الفرس بطول مضمار السباق تتطلب لياقة بدنية ومهارات عالية.
ثم انظر كيف نجح الغربيون بالزج بالمبارزة في منافسات الألعاب الأولمبية، حيث يقف شخصان يرتديان أزياء رواد الفضاء في حلبة مفتوحة، ويكون مطلوبا من كل واحد منهما أن يلكز و”ينغز” الطرف الآخر على خفيف كذا مرة بسيف “مغشوش” ليعتبر فائزا، والمبارزة أصلا إحياء لعادة بربرية كانت سائدة في أوروبا في القرن الخامس عشر لتصفية الحسابات بين الغرماء بالقتل أو التسبب في الأذى الجسيم.
وهناك الغولف! ولممارستها في ميدان ذي تضاريس معقدة، لابد من عصا طويلة بمواصفات معينة لتضرب بها كرة صغيرة، ثم تتوجه إلى حيث سقطت الكرة على أقل من مهلك، أو على متن سيارة كهربائية لتضربها على أم رأسها مجددا حتى توصلها إلى الحفرة المنشودة، والغولف قطعا تنتمي إلى الرياضة إذا مارسها كبار السن (وهم أصلا غالبية جمهورها لعبا ومشاهدة)، ولكن من منطلق أن في أي قدر من الحركة “بركة”، أما أن يمارسها شباب ويحسبون أنهم بذلك “تريضوا” ففيها أكثر من قولين، ولا أدلّ على أن الغولف ممل للشبان، أكثر من أن أبرز فرسانه وهو الأمريكي تايغر وودز وجد نفسه متنقلا بين أحضان نحو مائة امرأة، ففقد نصف ثروته بعد أن طلقته حرمه.
وبشراكم ففي دورة الألعاب الأولمبية لعام 2024 ستكون رقصة التكسير (بريك دانس) في قائمة الألعاب، على موسيقى الراب والهيب هوب، والأمل عظيم في أن الجامعة العربية ستطالب بإدراج الرقص الشرقي في دورة 2028 الأولمبية، وبهذا تحتكر منطقتنا ـ ولأول مرة ـ الميداليات الذهبية والفضية والبرونزية في مجال أولمبي.
عربي ٢١