الدماء الحارة ..
إعتمد السوداني على أقاربه ردحاً من الزمان.. ومازالت بعض البيئات تتبنى شعار (أنا وأخويا على ابن عمي وأنا وابن عمي على الغريب).. بل ذهب الانتماء للأهل والأقرباء هو الأصل حتى قال بعضهم «أهلك قبال تهلك».. وقد تسربت إلينا أمثال من الغرب مثل الأقارب عقارب.. وللقرب المكاني وضروراته قالوا : جارك القريب ولا ود أمك البعيد.. وعن حتمية العودة للأقارب يقولون «الضفر مابطلع من اللحم»، وعن استحالة العيش وحيداً بعيداً عن الأقارب يقولون «العرجا لمراحا»
وكثيراً مايدخل الدم في الموضوع فتقول فلان هذا «لحم ودم».. وقد تأثرت بالمثل المصري «الدم ماببقى ميه».. أي لا يمكن أن تهون القرابة فيصبح ( الدم ماءً) أي لا طعم ولا لون ولا رائحة.. دخلت مفردة الدم حياتنا.. ففي السياسة نهتف للزعماء بالروح بالدم نفديك يا فلان، الدم أصبح معياراً للطف والروح المرحة وعكسه ذلك، فاللطيف الظريف يقولون دمو خفيف وعكسه يقولون دمه تقيل، وإمعاناً في الغزل يقولون دمو شربات ووردي غنى حبيبنا فيك العفة والدم الشربات، وإمعاناً في الهجاء يقولون دمو قراد.. وتسلل الدم الى الأغنية السودانية، فبجانب الدم الشربات لوردي.. هناك أغنية شعبية بناتية تغنيها مغنية اثيوبية، وهي لحنان بلوبلو.. حبيبي تعال نتلم.. مادام الريد امتزج بالدم.. وسيد خليفة ينوح لو كان رووك بالدم ياهم رووك دمي.. وفي أغنيته (ألمني حنان) وهي للشاعر الراحل المقيم (عبدالمنعم عبدالحي)، وهو ملك المبالغات، ففي أغنيته (ام درمان) التي لحنها ود الحاوي وغناها حمد الريح.. أريت النوم يزورني اليوم.. انوم لو ليلة في كل عام.. وهذه مبالغه كبيرة.. ولعل الراحل المقيم (النعام آدم) أغنية يقول فيها «يا عيوني أبكي دمع الدم».. لكنه شاعر مجيد يطوع الحروف
وتقتحم المفردة الجريئة أغنياته العذوبة .
كلما رأى الأطفال ثوراً أو عجلاً يذبح في مأدبة في الحي يصيحون: الثور اب جاعوره.. شم الدم وقال حرم.. وهي تستعصى على الفهم للمقصود.. لكنها على كل حال أهزوجة حكمت السجعة أن يقول الثور حرم.. وهي مجازية طبعاً،. فالثور لا يقول حرم لأن في مملكة الحيوانات لا يوجد طلاق بالمعنى الإنساني، وأين وكيف شم التور الدم.. فإذا كان رأى زميله يذبح ودمه يسيل فلابد أن يفزع ويحاول الهروب.. ويشرع فيه فتتم مطاردته حتى يقبض عليه.. ربما هذا الهياج بسبب إنه (شم الدم)، وخاف على نفسه فأبدى جنونه..
عموماً أهازيج الأطفال حلوة دائماً على مافيها من سذاجة محببة وطفولة بريئة.. ألا نرى أن الأطفال حين يسقط أحد أسنانه يرمونه في سطح المنزل وهم يقولون: يا عين الشمس هاك سن الحمار أديني سن الغزال.. وقيل- والعهدة على الرواة- إن سن الحمار أجمل وأكثر متانة من سن الغزال!!
دائماً ما نطلق على الشباب في المجالات كافة (الدماء الحارة) ومرات يطالبون (بدماء جديدة)، وفي الحالتين هي تحريض للقادمين الجدد وتشجيعاً لهم وتحفيزاً للإبداع في مجالاتهم الأكاديميه والرياضية والفنية والأدبية، والدماء الحارة أو الجديدة أيها الأصدقاء هي التي تصنع بعض حاضر الكيان وكل مستقبله.
ولما كانت الأجيال تتعاقب.. وتحل الأجيال الجديدة محل القديمة نشأ مايسمى بصراع الأجيال وينبغي أن لا يكون صراعاً إن كان ولابد فليكن تنافساً جميلاً وتدليلاً لهم، يقولون «الجديد شديد» أي مسيطر يحسب الفرصة الكبيرة الممنوحة له.
الصباح..رباح – آخر لحظة
[EMAIL]akhirlahzasd@yahoo.com[/EMAIL]