منى أبوزيد تكتب : مَسافات آمِنة..!
“المثابرة تغلب الذكاء، والصبر يغلب الحظ، والعبرة دائماً بالنتيجة”.. أنايس نين..!
كنت أبحث عن شراشف ومفارش قديمة بين حقائب الأمس العتيقة عندما تَعثَّرتُ بفستان عُرس أمي الذي كان على موضة السبعينيات، قصيراً جداً، ضيقاً جداً، وبلا أكمام. ففكرت كم أن الموضة بتصاميمها وخطوطها المطبوعة والمنقوشة وبخاماتها المُطوَّعة على الفساتين والحقائب والأحذية هي الوجه الأكثر صدقاً لتواريخ الشعوب..!
هذا هو إذن فستان “قطع الرَّحَط” الذي عَبرَت ـــــ من داخله ـــــ أمي وقفَتَها الثورية إلى شرعيتها الدستورية. فعلت ذلك على طريقة نديداتها وتحت مظلة قوانين عصرها “دقَّتْ الصاجة وزَحزحتْ الرَّملة” على رؤوس الأشهاد، فبشَّر الرجال وزغردت النساء. يا لسطوة تلك الأعراف، كيف يتَسنَّى لها أن تخيط قناعاتنا، أن تُطرِّز عقود الإذعان – لفرماناتها – على أقمشة عقولنا كما ترزيَّة الفساتين..!
بدا لي ذلك الفستان أيقونة تاريخية ناطقة فأوقفتُه أمام المرآة. كنت قد شرعتُ – بالفعل – في عقد المقارنة إياها عندما اصطدمتُ بحقيقة أكثر إلحاحاً، حقيقة مفادها تلك المتغيرات التي طرأت، ليس على صاحبة الفستان بل على ابنتها التي تنتمي إلى جيل أكثر حداثة وأوجب انصياعاً لقوانين عصر الرشاقة التي لا ترحم..!
وهكذا ـــــ بقدرة قادر ــــــ تمخّضت طرافة صدفة الفستان السعيدة تلك عن السؤال الكئيب التالي “كم يكون وزن الواحدة منا قبل أن تنتقل من واحة الآنسات إلى غابة السيدات، وكم يصبح بعد ذلك بفضل عوامل التعرية النفسية والعاطفية التي تفرضها جغرافية الزواج في بيئة سطوة جموع المذكر السالم وهيمنة الواو الدالة على الفاعلين”..؟
لماذا نبدو معشر النساء ــــــ في مجتمعنا المحلي هذا ــــ أكثر بدانةً وأقل تفاؤلاً بعد الزواج، لماذا تتحوّل الضحكات الرقيقة الناعمة إلى قهقهات عصبية خالية من نكهة الرضاء، لماذا يتوسّدنا القلق وتسكننا الهواجس..؟
لأن مفهوم الزواج عندنا ببساطة ـــــ وبحسب قناعة وعينا الجمعي ـــــ هو وردية قلق ونكد أزلية، ما أن ينصرف الفنان والعازفون وينفض السامر حتى تصبح وردية الحراسة هي شغل الزوجة الشاغل بينما يبيت التمرد على قيود تلك الحراسة مهمة الرجل. فالرجل عندنا يكره لا مبالاة المرأة لكنه يكره حصارها أكثر. ولئن سألتني عن الوضع الذي يرضيه سأجيبك بشيء على غرار “الرقص على السلالم”..!
قد تقول قائلة ما الحل إذن والحال كذلك؟. ببساطة اقطعي حبال التعلق المَرَضي والعَشَم الزائد والتَّعويل المبالغ فيه. فالزوج – أي زوج – هو فقط شريك كامل الأهلية حُر الإرادة في مؤسسة اجتماعية تُعَوِّل في نجاحها على التفاهم والاحترام المُتبادل، وأنتِ كذلك، وعليه فلا بد من المحافظة على مسافة استقلالية مقدرة. جميل طبعاً أن يكون الزوج صديقاً ولكن ليس بالضرورة أبداً أن يكون توأم روح على طريقة بعض الأفلام والمسلسلات..!
ثم، لا بد من اطمئنانه هو إلى أنه ليس كل عالمك، ولا بد من اقتناعك أنتِ بأنه يحتاج أحياناً إلى بعض الأوكسجين الخالي من عبق عطورك. لا بد أيضاً أن يتعايش عقلك مع حقيقة – مزعجة وطريفة في آنٍ معاً – مفادها أن معظم الأزواج يفضلون التعرُّض أحياناً للعدوى في مراكز العزل على الهواء الصحي المفروض عليهم فرضاً بين أقفال بيوتهم..!
اقطعي وردية الحراسة إذن وتعلمي أن تحبي ذاتك أولاً. اكتفي بنفسك غالباً وانشغلي أحياناً عن بعض ما يخصكما معاً بكل ما يخصك أنتِ فقط. عندها سيعود في كل مرة باحثاً عنك، ولسوف يجدك أقل حُزناً وكآبةً ونكداً وأكثر جمالاً ورشاقة..!
تلك هي المعادلة الوحيدة لضمان علاقة زواج صحية بمسيرة مستقرة ومسافة آمنة. ذاك هو الواقع وتلك هي الحياة. ماذا، ليس عدلاً؟. من قال لكِ إنَّ الحياة دوماً عادلة..!
صحيفة الصيحة