صلاح الدين عووضة يكتب : يسرناه!!
فاليسر حلو..
ورب العزة قال عن كتابه الكريم (يسرناه بلسانك)..
ولذا فقد جاء عذباً… سلساً… جميلاً… بسيطاً… مترعاً بالإبداع..
أو بالضرورة كل ما حوى الصفات هذه كان إبداعاً؛ شعراً… أم نثراً… أم حكياً..
ويشمل الحكي هذا القصة… والسينما… والمسرح..
وفي مجال النثر شدني ثلاثة بكتاباتهم التي تنساب كما مياه الجداول بين شجيرات الورود..
فوقعها على النفس كخرير الانسياب هذا..
ثم يزداد جمالاً – وإبداعاً – بتبسيط المعقد… فيصطحب الوقعُ هذا رفرفة أجنحة الفراشات..
إذ تحلق – الفراشات هذه – فوق أزاهر الجداول المذكورة..
فأنيس مثلاً – في مجال النثر – كان يبسط حتى الفلسفة لتغدو في عذوبة لحنٍ موسيقي..
كأنّك – حين تقرأ له – تستمع إلى سيمفونية عبقرية..
وثاني الذين شدوني بسلاسة كلماتهم السهلة محمد طه محمد أحمد… عندنا هنا في السودان..
وثالثهم نبيل خوري… اللبناني..
وفي الخطابة السياسية – السودانية – شدني ثلاثة..
الترابي الإسلاموي… وأمين الربيع الاتحادي… وعز الدين علي عامر الشيوعي..
فهم قد أُوتوا ملكة التعبير السلس… مع الإبداع التصويري..
وفي كرة القدم شدني ثلاثة – أيضاً – بأسلوبهم الذي هو سهل ممتنع… وممتع..
وهم كمال عبد الوهاب…. السوداني..
وكانو النيجيري… الذي كان محترفاً بالدوري الإنجليزي؛ وشيكبالا…لاعب الزمالك المصري..
وفي دنيا الشعر شدني ثلاثة… للخصائص هذه ذاتها..
الشاعر الأموي جرير… واللبناني إيليا أبو ماضي… والمصري علي محمود طه المهندس..
والأخير هذا صاحب قصيدة الجندول..
أما سودانياً فثلاثة – في سياق ثلاثياتنا هذه – هم الأبرز من حيث سلاسة النظم الغنائي..
وهم محجوب شريف… وعزمي أحمد خليل..
ثم أمير التلقائية الشاعرية – مع البساطة والعذوبة والانسيابية – التجاني حاج موسى..
أو التيجاني الحاج موسى..
وفي مرحلة مبكرة من أعمارنا كنا نطرب لزيدان وهو يتغنى ببعض روائعه..
وما كنا ندري أنه – هو نفسه – كان يافعاً آنذاك..
بل كان طالباً في الثانوي؛ ومال قلبه الغض إلى يافعة مثله… أو تصغره قليلا..
فتدفقت موهبته خرير أمواهٍ تنسرب بين شجيرات الورد..
ورفرفة أجنحة فراشات بألوان قوس قزح من فوقها… فيفرز ذلكم كله جمالاً خرافياً..
ومن هذا الجمال الذي تماهى معه جمال أداء زيدان:
باب الريدة وانسدَ
وقصر الشوق وانهدَ..
تمر أيام وتتعدى
ونقعد نحسب في المدة..
أما هذه المدة التي كانا يحسبانها فهي ما تبقى لهما في محراب علاقتهما البضة..
البضة عمراً… وشعوراً..
فقد جاءها – اقتباساً من الأسطورة ذات الصلة – من خطفها على صهوة جوادٍ أبيض..
وعاش شاعرنا تجربة (الليلة ديك)… والتي تغنى بها زيدان أيضاً..
أو تجربة (حان الزفاف)… لعزمي أحمد خليل..
وبين هذه وتلك – أي بين المدة والوصل – قال فيها أيضاً ما جسّده زيدان إبداعاً مضاعفاً:
ليه كل العذاب؟
ليه كل الألم؟
بزرع في المحبة
وحصادي العشم
ولكن حصاده كان جنوناً شعرياً فريداً… ومن وادي عبقر؛ فشكراً لتلك الملهمة الصغيرة..
ثم حصاده كان – كقيمة إضافية – من عوَّضته فقده ذاك..
أو كما يسميها هو – تدليلاً لها – (ندوية)… وما زال التدليل هذا مستمراً إلى اليوم..
بعد أكثر من ثلاثين عاماً ما زال مستمراً..
إنها شريكة حياته نادية؛ والتي غنى محمد أحمد عوض من كلماته فيها… وعنها:
رفيقة الدرب الطويل
من قلبي ديما بقدرك
إنه – فعلاً – عمرٌ طويل؛ من الأُلفة… المحبة… والمودة..
والسبب في ذلك إنها تتصف – قطعاً – بصفاته نفسها التي جعلت منه شاعراً خرافياً..
السلاسة… والبساطة… والعذوبة..
فهيأت له بيئة جميلة – جمال نفسه – جعلت شعره جديراً بمفردة حوت كل مزايا الإبداع..
المفردة التي اخترناها عنواناً لكلمتنا هذي اليوم..
يســـرناه!!.
صحيفة الصيحة