تحقيقات وتقارير

الحوار السوداني يتعثر مع رفض “الحرية والتغيير” المشاركة

أعلن متحدث باسم الأمم المتحدة، السبت 11 يونيو (حزيران)، أن الجولة الثانية من الحوار لحل الأزمة السياسية في السودان أُرجئت إلى أجل غير مسمى بسبب تواصل رفض تحالف “قوى الحرية والتغيير” المشاركة.

وأطلقت “آلية ثلاثية” مكونة من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي ومنظمة دول شرق أفريقيا ووسطها للتنمية (إيغاد)، الأربعاء، حواراً في محاولة لوضع حد للمأزق السياسي في السودان منذ انقلاب قائد الجيش عبد الفتاح البرهان في أكتوبر (تشرين الأول) 2021. وكان من المقرر عقد الجولة الثانية من المحادثات، الأحد.

لا مساومة

وعقد وفد من “قوى الحرية والتغيير”، الخميس، لقاء “غير رسمي” مع مسؤولين عسكريين في محاولة للخروج من المأزق، لكن التحالف المدني اعتبر لاحقاً في بيان أن الحوار الذي بدأ، الأربعاء، “حل سياسي زائف”، و”يشرعن” الانقلاب. وسلّم التحالف إلى “الآلية الثلاثية”، السبت، مطالبه للانخراط في جلسات الحوار، وفي مقدمتها إنهاء الانقلاب وإعادة تصميم العملية السياسية.

وأعلن عمر الدقير، رئيس “حزب المؤتمر السوداني”، خلال مؤتمر صحافي، أن “قوى الحرية والتغيير أكدت رفضها أي تسوية سياسية لا تنهي الانقلاب العسكري وما ترتب عليه”. وكشف الدقير عن أن التحالف أكد للآلية بوضوح أنه “لن يكون جزءاً من أي منبر يهدف إلى منح الشرعية للانقلاب، مع الاستعداد للتعاطي الإيجابي من أجل استرداد التحول الديمقراطي”، مؤكداً التصميم على المقاومة بالوسائل السلمية والسياسية من أجل تحقيق ذلك الهدف.

وفي السياق ذاته، جدد تحالف “الحرية والتغيير”، خلال اجتماع تقييمي للقاء مع المكون العسكري، عقده في مقر “حزب الأمة القومي”، أن لا مساومة على أهداف الثورة السودانية. وجدد رفضه المشاركة في الحوار “لأنه انتهى في جلسته الأولى، وسنواصل العمل في الشارع”.

وأكد التحالف دعم “الآلية الثلاثية” وتمسكه بالحل السياسي والخروج المشرف للقوات النظامية من الحكم والمشهد السياسي، معتبراً أن ذلك لن يتحقق إلا بتوافر الإرادة السياسية لدى من قام بالانقلاب. وكرر دعوته إلى عقد اجتماعي جديد يرضى الشعب السوداني، بعد خروج القوات النظامية من الحياة السياسية.

تهيئة المناخ الديمقراطي

وجدد الأمين العام لـ”حزب الأمة القومي”، الواثق البرير، تمسك “الحرية والتغيير” بتنفيذ استحقاقات تهيئة المناخ الديمقراطي ووقف القمع المفرط تجاه المتظاهرين، بالإضافة إلى مراجعة القرارات الارتدادية التي صدرت بعد 25 أكتوبر.

وقال القيادي في “قوى الحرية والتغيير”، طه عثمان، إنهم شددوا خلال اللقاء بالمكون العسكري على ضرورة إنهاء الانقلاب وإعادة التأسيس الدستوري للفترة الانتقالية من دون الدخول في أي نقاش حول قضايا تفصيلية.

واعتبر القيادي في “قوى الحرية والتغيير”، نائب رئيس “الحركة الشعبية شمال”، ياسر عرمان، أن الفرصة باتت سانحة للخروج الآمن للجيش من المعترك السياسي وتسليم السلطة للمدنيين، وكذلك الخروج الآمن للشعب السوداني من الأزمة التي تعيشها البلاد منذ سنوات.

وأكد عرمان أن لقاء وفد “الحرية والتغيير” مع المكون العسكري لم يكن خطوة لشراكة جديدة، بقدر ما كان لإنهاء أي شراكة معه، ومن أجل تأسيس علاقة جديدة بين العسكريين والشعب.

توقعات الفشل

من جانبه، قال أمين العلاقات الخارجية في “حزب المؤتمر السوداني”، فؤاد عثمان، إن اللقاءات المباشرة بين “الحرية والتغيير”، و”الآلية الثلاثية” مستمرة، كاشفاً عن أن التحالف كلّف القيادي طه عثمان لمواصلة النقاش مع كل من الآلية والمكون العسكري “الانقلابي”، على حد وصفه، بينما كلّف الطرف الآخر الفريق أول شمس الدين كباشي للمهمة.

وتوقع فؤاد عثمان الفشل للحوار المعلن، مثلما حدث لحوار وثبة الرئيس السابق عمر البشير، وجزم أنه “الحرية والتغيير” غير معنية بجلسات الحوار في الخرطوم.

نصيحة

واعتبر رئيس منبر حوار رؤساء الأحزاب عصام صديق أن “أي حوار سياسي يغيب عنه طرف رئيس مصيره الفشل لا محالة”، مذكّراً بدعوة قادة الأحزاب في الحكومة والمعارضة إلى طاولة مستديرة في 2017، وقد قاطعته القوى الرئيسة في المعارضة اعتراضاً على إدارة الحوار، ما أدى إلى فشله وتوقفه إلى أن اندلعت الثورة واقتلعت ذلك النظام.

أضاف صديق أنه “ينبغي للجيش ألا يكون طرفاً في حوار سياسي، لأنه مؤسسة مهنية احترافية غير سياسية، ينحصر دورها في التدخل نصرة للشعب ثم تترك له إدارة الفترة الانتقالية (بحكومة تكنوقراط)، لا يمثل فيها الحزبيون في الجهاز التنفيذي”.

وقال، “لقد نصحت المبعوث الأممي، فولكر بيرتس، بعدم دعوة المكون العسكري إلى الحوار، لأن القوى الثورية ربما تجلس مع الحركات الموقعة على اتفاق سلام جوبا، حتى ولو كانت مساندة للانقلاب” احتراماً لاتفاق جوبا وأهمية السلام للبلاد.

ورجّح صديق موافقة المكون العسكري في النهاية تحت ضغوط الوساطة الأميركية على تسليم السلطة للمدنيين وفق شروط وسيناريو محدد يتفق عليه مع الوساطة نفسها وتحالف الحرية والتغيير”.

التحالف يدافع

وفي شأن الهجوم الذي تعرض له تحالف “الحرية والتغيير” من العديد من الثوار بعد لقاء وفده بالمكون العسكري على الرغم من شعار “لا تفاوض”، قال مصدر في التحالف لـ”اندبندنت عربية”، “ترجمنا مضمون اللاءات الثلاث وشعارات الثورة وأهدافها إلى أجندة سياسية، وقبلنا اللقاء غير الرسمي لنؤكد للوساطة الأميركية والمجتمع الدولي أننا لسنا متعنتين، ولا نرفض الحوار الحقيقي المفضي إلى استعادة التحول الديمقراطي”.

كيف يؤثر تعدد الأحزاب على جهود حل الأزمة في السودان؟
وأشار المصدر إلى أن “مطالب التحالف تعتبر بديهيات للدخول في أي حوار، وهي وقف القتل والاعتقال وإنهاء الانقلاب وتسليم العسكر السلطة إلى المدنيين وعودة الجيش إلى الثكنات والشروع في تكوين جيش قومي موحد وإقامة سلطة مدنية ديمقراطية تحقق أهداف الثورة”.

وشدد المصدر على أنه “لا عودة إلى الشراكة مع المكون العسكري مهما كان الثمن، وفي حال رفض العسكريون تسليم السلطة للمدنيين فسيكون ذلك انهياراً للحوار”.

رفض تجمع المهنيين واللجان

في المقابل، أعلن “تجمع المهنيين السودانيين”، الفاعل في الشارع، تمسكه “برفض التفاوض المباشر وغير المباشر” مع العسكر، مؤكداً استمرار التصعيد حتى إسقاط السلطة الانقلابية.

ووصف التجمع، في بيان، ما تقوم به الآلية الثلاثية بأنه مخطط دولي إقليمي لقطع الطريق على الثورة، ولفرض واقع جديد يمنع الثورة من الوصول إلى أهدافها.

وجددت “لجان المقاومة” تمسّكها بالتظاهرات والمواكب وشعارها “لا تفاوض لا شراكة… الردة مستحيلة”.

تفاؤل بالحوار

وعلى صعيد المشاركين في الحوار، أعرب نائب رئيس “حزب الإصلاح” حسن رزق، عن تفاؤله بنجاح الحوار في التوصل إلى توافق لإنهاء الأزمة السودانية، مضيفاً، “إذا كانت هناك جهات داخلية وخارجية تسعى إلى فرض أجندتها وتجيير الحوار المباشر لتحقيق مصالحها، فعندها لن ينجح الحوار”.

وحضّت الأمم المتحدة الأطراف كافة على المشاركة في المحادثات و”مواصلة العمل لتهيئة بيئة مُواتية للحوار البناء لصالح الشعب السوداني”.

ودأب المجتمع الدولي منذ الانقلاب على جعل عودة المدنيين إلى السلطة شرطاً لا غنى عنه لاستئناف المساعدات للسودان الذي تصنفه الأمم المتحدة من بين أفقر دول العالم.

كذلك يدعو إلى إنهاء حملة القمع التي أسفرت عن مقتل نحو 100 متظاهر مؤيد للديمقراطية منذ 25 أكتوبر.

وعلى الرغم من أن البرهان رفع حال الطوارئ في نهاية مايو (أيار) وأطلق في الأسابيع الماضية سراح شخصيات سياسية مدنية ونشطاء قالوا إنهم يؤيدون الحوار لإحياء الانتقال الديمقراطي، فإن القمع بحق مناهضي الانقلاب مستمر.

إندبندنت عربية