تحقيقات وتقارير

مواقيت هطول الأمطار .. تنبؤات شعبية تفوق تكنولوجيا الأرصاد

منذ مئات السنين استبق السودانيون تكنولوجيا الأرصاد والتوقعات الحديثة في قراءة مواقيت ومنازل دقيقة للأمطار، عرفوا معها متى يزرعون ويحصدون قبل أن تتطور نظم الزراعة المروية.

وعلى امتداد السودان الجغرافي بين السافنا الغنية جنوباَ والصحراء شمالاً تعلم السودانيون من (7) مواقيت إلى (10) تسمى بالموروث الشعبي “العِينات” أو “العِين” لفصل الأمطار، وتمتد العينة الواحدة (13) يوماً.

خبرات نوعية

يؤكد خبراء الأرصاد أن عين الخريف وضعت بناءً على خبرات تشكلت على مدار مئات السنين رغم التغير المناخي.

ويقول حسين الكيك وهو باحث شعبي مهتم بالخريف وعيناته لـ(الحراك)، إن تباشير الخريف بعينتي “العصا العطشانة والعصا الرويانة”، وتمتاز الأولى بالأتربة وتحول اتجاه الرياح من الشمال الشرقي إلى الجنوب الغربي، والأخرى بالجو المعتدل، وللمقارنة بين دقة عين الخريف وتوقعات الأرصاد الجوية يقول الباحثون، إن هيئات الأرصاد بالسودان وغيره كانت تعتمد على توقعات طقس شهرية، بينما العين تعتمد على توقعات كل (13) يوماً.

ويشير من خبروا هذا الاختصاص إلى أن العينات وفقاً لوصفها المناخي المعتمد على أيام أقل- كانت تعطي قراءات أكثر دقة من هيئة الأرصاد، مما دعا الأخيرة لاحقاً لتقديم وصف مناخي كل عشرة أيام وصلت مع توفر التقنيات إلى (5) أيام.

أكثر دقة

يعتقد المهتمون أن خدمة توقعات الطقس التي قدمها الموروث الشعبي عبر العينات كانت أكثر دقة قبل أن تنتبه هيئات الأرصاد لأهمية تقديم قراءات أسبوعية بدلاً من شهرية، وطبقاً لخبراء الأرصاد إن المعمول به في السودان وعدد من الدول العربية هو منازل قمرية قائمة على التقويم الشمسي، تتكون من (28) منزلة أو “عينة” كل واحدة منها تمتد (13) يوماً عدا عينة “الجبهة” (14) يوماً لتكون حصيلة الأيام (365) يوماً أي عام كامل.

الزراعة المطرية

ويقسم المزارعون في مناطق الزراعة المطرية العينات المرتبطة بالخريف إلى عشر عينات لكل منها (13) يوماً وثلث يوم، وتشمل أسماء عينات فصل الأمطار: الثريا، العصا العطشانة، العصا الرويانة، الضُّراع، النترة، الطَرفة، الجبهة، الخرسان، العِوا، السماك.

وطبقاً لمعرفة المزارعين المتراكمة فإن لكل عينة أمطار بعينها من ناحية الكثافة ونوع السحب والعلاقة مع العمليات الفلاحية المتبعة.

إلهام إلهي

ويؤكد الباحث في مجال التراث بابكر ميرغني الماحي لـ(الحراك) أن المزارعين يعملون وفقاً لهذه العينات، وأن هناك ملامحَ في الطبيعة تخبرهم بقرب فصل الأمطار مثل تغير اتجاه الرياح.

ويضيف أن القضارف أكبر منطقة لإنتاج السمسم عالمياً تعتمد كلياً على الأمطار لزراعة خمسة إلى ثمانية ملايين فدان، سنوياً بالذرة والسمسم وعباد الشمس والدخن، وتضم أكبر صومعة بالبلاد لتخزين الغلال.

ويبدأ الموسم الزراعي في المنطقة بعينة الثريا يوم (17) مايو بتجهيز الأرض للحراثة ونقل الغذاء والوقود وتخزينها بالخلاء للحفاظ على المواقيت وتجنب قطع الطرق جراء الأمطار.

عينات الخريف

ويقول خبير الأرصاد منذر الحاج في صفحته بـ”الفيس بوك”،إن من أهم العينات “الطرفة البكاية”، ويصاحبها مطر نهاري خفيف ومتواصل يصعب معه العمل في المزرعة، فضلاً عن درجات حرارة معتدلة (30-32) درجة تساعد الزرع على النمو، وحينها ينشد المزارعون من رباعيات شاعرهم ود شوراني: ظمآنين ووابل الطرفة فوقنا يهطّل”، بينما البداية الفعلية للخريف تبدأ بعينة “الضراع” يوم (7) يوليو وبها يقاس مدى نجاح فصل الأمطار.

ويقول المثل الشعبي عن الضراع “إن صح خريف وإن بطل صيف” وبعد “الضراع” تبدأ عينة “النترة” وهي فترة يكثر فيها نمو الحشائش والآفات من طيور مهاجرة وحشرات وجنادب وجراد، بسبب ملء شقوق الأرض بمياه الأمطار، فيما يصل الخريف ذروته عينة “الجبهة” وتسمى ذروة سنام الخريف، وتبدأ يوم (18) أغسطس وهي فترة يصاحبها مطر غزير ربما تسبب في السيول والكوارث، ويسميها المزارعون “الجبهة النداية” لتكاثر الندى على الزرع الذي نما وزادت حاجته للري، ومنذ بداية سبتمبر تبدأ عينة “الخرسان” وهي ذات أمطار كثيفة يصاحبها رعد مدوي وبرق لامع فضلاً عن تساقط البرد “ثلج” ربما أضر بالزرع حال زاد مقداره، وتأتي نهاية الخريف بعينتي العِوا والسماك خلال الفترة من (14) سبتمبر حتى (10) أكتوبر، ويكثر في الأولى الرعد ويغلب على الأخرى المطر الخفيف المتفرق، ومطرها يسمى “البخات” من البخت الحسن.

الخرطوم – نبيل صالح
صحيفة الحراك السياسي