تحقيقات وتقارير

الجنوب …حصاد أربع سنوات من نيفاشا


اربع سنوات تنقضي اليوم على بدء تنفيذ اتفاق نيفاشا، الذي انطلق في مثل هذا اليوم من العام 2005م. سنوات انتظرها الجنوب قرابة 21 عاما هى سني الحرب التى خاضتها الحركة الشعبية ضد الحكومة المركزية بالخرطوم. وبعد مضي الأربع سنوات على خطوات التنفيذ التى بدأت تسري في الجسد الجنوبي عبر حكومة «شبه» مركزية تختص بشؤونه وادارته، كيف تبدو محصلة تلك السنوات من السلام على خطوات البناء والتنمية والتطور لدي انسان الجنوب».
ما يحسب لاتفاقية السلام الشامل أنها بعد أن وضعت حداً للحرب الأهليه، أنها أسست للجنوب نظام حكم وهياكل تشريعية وفقاً لما يجري في الحكومة المركزية، فبعد تعيين رئيس حكومة الجنوب، تم تشكيل حكومة الجنوب بكامل طاقمها التنفيذي، وتعيين المجلس التشريعي لحكومة الجنوب وفقاً لما نصت اتفاقية نيفاشا».
ولكن بعد مضي أربع سنوات على بدء تنفيذ «نيفاشا» كيف تبدو صورة الجنوب من واقع التنفيذ الفعلي لها وانعكاسها على المواطن. كثيرون يعدون ان مجرد وقف الاقتتال عبر الاتفاقية يعد الأنجاز الأكبر للاتفاقية في جنوب السودان، الذي بدأت فيه بعد ذلك الحياة تسري بصورة شبه طبيعية عدا بعض التوترات القبلية والأمنية التى كانت تقوم بها الميليشات العسكرية المتعددة التى انشقت في أوقات سابقة عن الحركة الشعبية، والآن يكاد يكون نشاطها قد خمد تماماً بعد توفيق أوضاعها اما بالانضمام للجيش الشعبي أو الالتحاق بالقوات المسلحة، تزامن ذلك مع اكتمال تنفيذ بروتوكول الترتيبات الأمنية بين القوات المسلحة والحركة الشعبية، فيما عاني الجنوب طيلة الأربع سنوات الماضية خاصة السنتين الأوليين لتنفيذ الاتفاقية من نشاط مجموعات جيش الرب اليوغندى المتواجد بالجنوب منذ قبل توقيع اتفاقية السلام، حيث أدت عمليات النهب والسرقة والاقتتال التى يمارسها منتسبو جيش الرب الى زعزعة الأمن والاستقرار هناك كثيراً خاصة في مناطق الاستوائية وبحر الجبل. ويكاد يكون الجنوب حالياً بعد توفيق أوضاع الميليشات العسكرية واخماد حركة جيش الرب، واحكام الجيش الشعبي وحركته على مفاصل الحياة بالجنوب، يعد خالياً من أى توترات عسكرية سوي الصراعات القبلية التى تندلع وتتجدد بين القبائل بين الفينة والأخري. ولكن الدكتور ابيغو اكوك، مدير مركز السلام والتنمية بجامعة جوبا، قال في مائدة احتمالات الوحدة والانفصال أول امس «ان نيفاشا طرحت ان تكون الوحدة جاذبة، لكن الاشياء التى تجعل تلك الوحدة جاذبة في الجنوب غير موجودة، فالتخلف ازداد وكذلك عدم الاستقرار، وقال في ظل اتفاقية السلام الشامل قتل 2400 شخص فهناك خطر أمنى في الجنوب، وأضاف ان بالجنوب جيلا كاملا لا يعرف شئ عن الشمال بل يستنكر التواصل معه». وكان ممثل الأمين العام للأمم المتحدة بالسودان أشرف قاضي، قد قال في وقت سابق»ان أوضاعا مأساوية تضرب في أنحاء جنوب السودان وحصدت في الآونة الأخيرة من الأرواح أكثر مما سقط نتيجة الأوضاع في دارفور». وذهب كثيرون الى أن قاضي «يريد لفت الانتباه الى الحقيقة المؤسفة من أن الجنوب بدأ ينزلق الى سابق عهده من انعدام الأمن على نطاق واسع. ويعتبر التناحر القبلي الذي ينشب بين القبائل سببا في سقوط معظم الضحايا في جنوب السودان. وفاقم من تلك المشاكل ان حكومة الجنوب ظلت تعاني من تدني أسعار النفط الى النصف تقريبا في العام المنصرم والذي يعد مصدر دخلها الوحيد تقريباً». ورغم ان الكل يكاد يجمع على ان تطبيق نيفاشا حقق نوعاً من الاستقرار الأمني، الا ان البعض اختلف حول رفعها للمظالم عن الجنوبيين وتحسين أوضاعهم. فيما تمثلت ايجابياتها كذلك في عودة مئات الآلاف من ابناء الجنوب اللاجئين بدول الجوار الى أوطانهم، فيما بدأت رحلات داخلية للنازحين من الشمال للاستقرار في الجنوب رغم المشاكل والعقبات التى تواجه تلك الهجرات. وقال السيد جوزيف أوكيلو وزير العلاقات بالمجلس الوطنى رئيس حزب سانو، لـ«الصحافة» ان كثيرا من السياسيين يقيمون حصاد نيفاشا ويتهمون الجنوب بالتقصير دون أن يعملوا مقارنة بانجازات حكومة الوحدة الوطنية، وقال ان اهم شئ أنجزته نيفاشا للجنوب أنه تم تكوين أجهزة الحكم بطريقة مرضية وتمت اجازة الدساتير والتشريعات، وفي جانب الأمن تم اكتمال ترتيبات البروتكول الامنى، ولكنه قال ان الاندماج لم يتم بطريقة مرضية حيث هناك بعض الميليشات مازالت تحمل السلاح تتسبب في انعدام الأمن في المنطقة بالاضافة لقوات جيش الرب، وفي مجال التنمية قال ان حجم الدمار في الجنوب زمن الحرب كان كبيراً ولم يترك أى بنية تحتية، ورغم ذلك فان هناك أموالاً كبيرة لم تذهب للتنمية بل صرفت في المرتبات، وتم تجاهل التنمية خاصة الطرق والجسور والزراعة لم تنجح فيها حكومة الجنوب».
ومن ناحية التطورات السياسية اختلفت التقديرات حول النجاحات التى اصابتها الحركة الشعبية الممسكة بزمام الامور هناك، فالحركة الشعبية تشير الى ان الحياة السياسية في الجنوب بدأت تشهد حراكاً كبيراً بفضل اتفاقية السلام الشامل خاصة وسط القوي السياسية الجنوبية، ويصف قادتها الحريات والسلوك الديمقراطي المتاح فيه بأنه افضل من الشمال، فيما يمضي المناوؤن للحركة الشعبية الى وصف الوضع السياسي هناك بأنه يفتقر لأدني مقومات الحياة السياسية نتيجة القمع الذي تمارسه قوات استخبارات الحركة الشعبية على النشاط السياسي، فيما يصف قادة شريكها المؤتمر الوطنى بان الحركة الشعبية عجزت حتى الآن عن التحول لحزب سياسي وتدير الجنوب عبر استخباراتها مما أخر عملية الحياة السياسية وممارستها في الجنوب خاصة للأحزاب غير المنضوية تحت لوائها، وذهب د.غازي صلاح الدين في تنويره لملتقي الاعلاميين السودانيين العاملين بالخارج الى القول «ان الحركة الشعبية فشلت في التحول لحزب سياسي، كما ان برلمان الجنوب منذ تعيينه لم يقم باجازة سوي قانون واحد، مشيراً الى أن الحركة فشلت في ادارة الجنوب، وأنها استلمت مبلغ 6 مليارات دولار من الحكومة المركزية لم تنعكس على أى من مشاريع التنمية هناك». وكانت قوي سياسية جنوبية أول أمس قد اشتكت في ندوة عن انعدام الحريات في الجنوب، حيث دعا فاروق جات كوث الأمين العام لجبهة الانقاذ الديمقراطية، الحركة الشعبية لادارة حوار مع القوي الجنوبية اعمالا لمبدأ التداول السلمي للسلطة وخلق مناخ مناسب وطبيعي يسمح للقوي السياسية بممارسة نشاطها». فيما قال المهندس شارلس ديسانقا نائب رئيس الحركة الشعبية التغيير الديمقراطي، ان الوقت قد حان لتغيير الأوضاع في جنوب السودان نحو الافضل بعد ان فشلت الحركة الشعبية في ادارة الامور بشكل صحيح».
ولكن ان كان الوضع الأمنى قد شهد تحسناً كبيراً خلال الأربع سنوات الماضية، واختلفت التقديرات حول التطور السياسي بالجنوب، فان الكل يكاد يجمع على فشل حكومة الجنوب في احداث التنمية والتطور الاقتصادي المطلوب، ويصف بعض الجنوبيين الوضع هناك بأنه لم يحدث فيه أي تغيير يذكر خاصة من ناحية التنمية والاعمار، حيث لم تفلح حكومة الجنوب في احداث أى نوع من التنمية كما انها فشلت في تنمية الموارد والمداخيل الاقتصادية رغم ما يتمتع به الجنوب من قدرات وامكانيات اقتصادية كبيرة، بل ظلت حكومة الجنوب تعتمد في مواردها على قسمة عائدات النفط، حتى هذه القسمة يشير كثيرون الى أنها كان يمكن ان تنهض بعدد من البنية التحتية في الجنوب الأمر الذي لم يحدث، وقد بلغت تلك المبالغ حسب الحكومة المركزية 6 مليار دولار، تدافع حكومة الجنوب في بنود صرفها بأنها تمضي في البند الأول «مرتبات» التى ترهق كاهل خزانة الجنوب». ويحسب على حكومة الجنوب قصورها في تفعيل وتمكين المؤسسات الاتحادية بالجنوب من اداء دورها خاصة الجمارك والضرائب على الحدود حيث تنشط التجارة هناك مع اوغندا واثيوبيا، وبسبب ذلك تفقد حكومة الجنوب أموالاً طائلة كان يمكن ان تساهم في رفد خزنتها المالية ليس بالقليل من المال. كما يعاب عليها اقتصادياً في أنها فتحت الجنوب للتجار اليوغنديين والكينيين ما أدي لارتفاع تكاليف «المعيشة» ويري البعض أنها لو انفتحت شمالا وسهلت حركة التجارة وتأمينها لكان الوضع المعيشي في الجنوب أفضل من الوضع الحالي.
خالد البلوله ازيرق :الصحافة