تحقيقات وتقارير

التمسُّك بـ(اللا شراكة) .. عقبات أم تصحيح مسار؟

خلال الشهر الجاري بدأت مباحثات بين المكوِّن العسكري والحرية والتغيير بوساطة سعودية – أمريكية في مسعى لإنهاء الأزمة السياسية التي زادت وتيرتها منذ 25 أكتوبر الماضي، الأمر الذي جعل المكوِّن المدني يرفض الجلوس والتفاوض مع (العسكريين)، متمسِّكاً باللاءات الثلاث، لذلك من الصعوبة بمكان التوافق بين المكوِّنين لإقامة شراكة جديدة خاصة من طرف تحالف قوى الحرية والتغيير، في الصعيد ذاته حذَّرت الأمم المتحدة وممثلو الولايات المتحدة وعدد من الدول الأوروبية في مجلس الأمن الدولي من مخاطر تحيط بالسودان بسبب العوائق الموضوعة أمام عملية التحوُّل المدني، باعتبار تمسُّك المدنيين يعطِّل مسار العملية وإنجاح الحوار الذي يحظى باهتمام ومتابعة دولية، وعلى ضوء ذلك نرى أن تقديم التنازلات بين الأطراف يصب في مصلحة البلاد والاستقرار وتحقيق السلام المنشود من خلال الاتفاق والتوافق حول القضايا الوطنية والخروج بالبلاد من أزمتها الراهنة، لأن التمسُّك براية (لا تفاوض، لا مساومة، لا شراكة) لن تفيد، والسودان يمر بمرحلة مفصلية تتطلِّب التوافق.

رد فعل
قال رئيس لجنة السياسات بحزب الأمة القومي، إمام الحلو، إن اللاءات الثلاث التي ظل يتمسَّك بها الشارع هي رد فعل طبيعي لممارسات العنف الذي تمارسه السلطات تجاه الثوار في المواكب السلمية خاصة بعد قرارات 25 أكتوبر، وقطع الحلو، في تصريح لـ(الصيحة) الآن مطلوب وقف الأسباب التي أدت إلى رفع شعار اللاءات في وجه الحكومة والتي من بينها وقف استخدام العنف تجاه المتظاهرين السلميين، إطلاق سراح المعتقلين كافة، بجانب تحقيق عاجل وشفاف حول جرائم القتل التي حدثت أثناء المواكب والاحتاجاجات، بالإضافة إلى الشهداء في دارفور، وذلك من أجل تهيئة الأجواء للحوار، وقال: ” إذا لم تزل المسببات لن نتقدَّم خطوة بشأن التوافق عبر عملية الحوار.

عرض (العسكر)
وأفصح ممثل الحرية والتغيير في لجنة الاتصال مع المكوِّن العسكري طه عثمان، أن التحالف رفض عرضاً من المكوِّن العسكري للدخول في شراكة جديدة.

وأكد أن رؤية التحالف حدَّدت بوضوح ضرورة إنهاء الوضع الحالي ومظاهره بشكل كامل وتحقيق العدالة الانتقالية وضمان عدم إفلات مرتكبي الجرائم من العقاب، وقال عثمان في تصريحات بمنزله الجمعة: (المكوِّن العسكري عرض علينا شراكة جديدة لكن رفضناها، وأرجع تأخير تسليم رؤية الحرية والتغيير إلى المكوِّن العسكري والآلية الثلاثية والسفير السعودي والقائمة بأعمال السفارة الأمريكية في انتظار الاتفاق حولها مع قوى الثورة والأحزاب الأخرى).

موقف تفاوضي
يقول المحلِّل السياسي الفاتح محجوب: إن تمسُّك لجان المقاومة باللاءات الثلاث يعتبر في ذات نفسه موقف تفاوضي، لأن رفع راية تحمل مطالب متطرِّفة تفتح الباب واسعاً أمام قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) لتبني مواقف تفاوضية أكثر مرونة، لكنها -أيضاً- تبدأ بمطالب متطرِّفة تمهيداً للقبول بصفقة تحقق جزءاً من هذه المواقف السياسية أو اللاءات، وقال محجوب لـ(الصيحة): لكن قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) تعلم جيِّداً أن التفاوض يتطلَّب تنازلات، وأضاف: ” أعتقد أن الفترة القادمة ستشهد بداية التوافق على صفقة لتكوين حكومة انتقالية بقيادة مدنية تحفظ للمكوِّن العسكري سيطرته على شؤونه العسكرية، وتفسح المجال أمام بقية القوى السياسية الأخرى ليكون لها رأي ودورها في الفترة الانتقالية.

انقسام الشارع
الخبير والمحلِّل السياسي راشد التجاني، شدَّد على ضرورة التمسُّك بالحوار، وقال: لا حل لأي مشكلة دون الحوار، وأشار التجاني في تصريح لـ(الصيحة) أمس، إلى أن هناك انقسام في الشارع ما يحول دون تحقيق الأهداف المرجوة، وأضاف: لذلك مطلوب جداً وصول الأطراف إلى اتفاق للجلوس في طاولة الحوار، وليس التعنُّت في المواقف التي لا تخدم المصالح الوطنية .

مساعٍ حثيثة
ولم تنفصل الجهود الأمريكية السعودية لحلّ الأزمة السياسية في السودان في ظل التمسُّك بعدم الشراكة مع (العسكريين) التي ظلت تردِّدها الكيانات المدنية لاسيما المنضوية تحت لواء تحالف قوى الحرية والتغيير، وقالت صحيفة (ميامي هيرالد الأمريكية)، بحسب اليوم (التالي) السودانية الصادرة، أمس، إنّ الولايات المتحدة الأمريكية والسعودية تسعيان إلى كسر الجمود في العملية السياسية بالسودان من خلال رعاية المحادثات المباشرة بين أطراف الأزمة، وكشفت عن زيارة وشيكة للمبعوث الأمريكي الجديد إلى القرن الأفريقي، مايك هامر، إلى الخرطوم في الأيام المقبلة لمتابعة التطوُّرات الجديدة وسير تقدُّم المحادثات قبيل زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى الشرق الأوسط منتصف الشهر، والتي تشمل كلاً من فلسطين والسعودية وإسرائيل.

التمسُّك باللاءات
ويرى الخبير والمحلِّل السياسي صلاح الدين الدومة، ضرورة التمسُّك باللاءات، مشيراً إلى أن الطرف الثاني في إشارة للمكوِّن العسكري يمكن أن يفض الشراكة في أي وقت حال إعادتها من جديد، وقال الدومة لـ(الصيحة): إن الشارع ولجان المقاومة هو المسيطر الآن على المشهد، وأضاف: حتى الأحزاب الكبيرة تتكالب الآن لنيل رضاء المقاومة باعتباره الجهة التي رفعت شعار اللاءات.

لا شراكة
وفي تصريحات قبل أيام، أبدى عضو مجلس السيادة السابق محمد الفكي سليمان، تفاؤله بالتوصل لاتفاق يعود بموجبه العسكر إلى الثكنات وتسليم السلطة للمدنيين، وتكوين حكومة كفاءات وطنية مستقلة وغير حزبية تشترك في اختيارها قوى الثورة مجتمعة، قاطعاً بأن تحالفه «الحرية والتغيير» لا يسعى إلى شراكة جديدة مع العسكريين.
وقال الفكي: إن «الحرية والتغيير» تتبنى مطالب الشارع بإنهاء الوضع الحالي واستعادة المدنية، وإنه استجاب للوساطة الثنائية السعودية الأمريكية، استناداً إلى الثقل المؤثر للدولتين على المستويين الإقليمي والدولي، وتأثيرهما على السودان وارتباطهما بمصالح مشتركة دائمة.
ونفى الفكي أن يكون تحالف «قوى التغيير والحرية»، قد مورست عليه ضغوط للقبول بالجلوس مع العسكريين. ورأى أن الوساطة الأمريكية – السعودية جاءت «دعماً للعملية السياسية، ومن أجل انتشالها من الرفض الذي قوبلت به.

صحيفة الصيحة