تحقيقات وتقارير

أزمة السودان إلى مزيد من التعقيد على وقع استمرار المظاهرات

أطلقت القوات السودانية مجدداً، الغاز المسيل للدموع على مئات المتظاهرين في الخرطوم، الجمعة الأول من يوليو (تموز)، احتجاجاً على الحكم العسكري، بعد أحد أكثر أيام الاحتجاجات دموية خلال هذه السنة، وردد المحتجون في العاصمة السودانية، قرب القصر الرئاسي، هتافات مثل “الشعب يريد اسقاط البرهان”، و”نطالب بالانتقام”، وحمل بعضهم صوراً للضحايا الذين سقطوا، الخميس، حيث قُتل تسعة سودانيين على الأقل خلال تظاهرة ضد الانقلاب الذين نفذه الفريق عبد الفتاح البرهان.

استخدام مفرط للقوة

ونُظمت التظاهرات في 30 يونيو (حزيران) في ذكرى انقلاب الرئيس السوداني السابق عمر البشير بمساندة الإسلاميين على الحكومة المنتخبة ديموقراطياً العام 1989، وكذلك ذكرى التجمّعات الحاشدة العام 2019 التي دفعت العسكريين إلى إشراك المدنيين في الحكم بعد الإطاحة بنظام البشير.

ومنذ الانقلاب، قُتل 112 متظاهراً وجُرح الآلاف على أيدي قوات الأمن التي تطلق، وفقاً للأمم المتحدة، الذخيرة الحية على المحتجين.

وتعليقًا على أعمال العنف، الخميس، دانت الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، الجمعة، “الاستخدام المفرط للقوة من قبل قوات الأمن وإفلاتها من العقاب”.

أزمة سياسية

ويتساءل كثيرون من السودانيين عن المخرج مما تتخبط به البلاد من أزمة سياسية تتجه إلى مزيد من التعقيد في ظل تمسك الشارع، الذي تقوده لجان المقاومة، بالتصعيد الثوري، وآخر تجلياته الحشود الضخمة التي خرجت في مليونية، الخميس 30 يونيو، في العاصمة الخرطوم، ومدن سودانية عدة للمطالبة بالحكم المدني، لكنها قوبلت بعنف مفرط من قبل الأجهزة الأمنية ما أدى إلى مقتل تسعة متظاهرين ليرتفع إجمالي قتلى التظاهرات إلى ما لا يقل عن 109 قتلى منذ اندلاعها في 25 أكتوبر (تشرين الأول) بسبب استيلاء قائد الجيش عبد الفتاح البرهان على السلطة بعد تعطيل الوثيقة الدستورية وفض الشراكة مع المدنيين.

فما رؤية المراقبين والمحللين السياسيين لمآلات المشهد السياسي في البلاد في ضوء التطورات على أرض الواقع، وهل بالإمكان حدوث أي اختراقات تؤدي إلى مخرج يقبله جميع الأطراف ويقود إلى الاستقرار؟

مطلب التغيير

يقول في هذا السياق، الكاتب السوداني خالد التيجاني النور، “في اعتقادي أنه بغض النظر عن الجدل حول حجم التظاهرات، إلا أن الوضع في البلاد يحتاج إلى تغيير حقيقي، وأن هناك بالفعل أسباباً حقيقية لمطلب التغيير الذي خرج من أجله الشباب السوداني في ثورة ديسمبر (كانون الأول) 2018، ومن أهمها أنه منذ الاستقلال في 1956، ما زال التدهور في مجالات الحياة كافة بخاصة الاقتصادية مستمراً، من دون أي حلول ومعالجات من قبل الحكومات التي تعاقبت على الحكم”. وتابع النور، “ما يجري من حراك جماهيري هو في الأساس حراك اجتماعي قبل أن يكون حراكاً سياسياً، فهذا الجيل الشبابي الذي يقود هذا الحراك الثوري المتواصل في الشارع يريد أن ينال حقوقه المتمثلة في العيش الكريم والتمتع بكامل الخدمات التعليمية والصحية والعدل والمساواة والحرية، وهي مطالب مشروعة ويجب الاستجابة لها، لكن للأسف هناك عوائق تقف حجر عثرة أمام هذه المطالب سواء من جهة العسكر أو القوى السياسية، فالعسكريون يعتقدون أنهم أوصياء على البلد، وهذا غير صحيح، ويجب أن تستجيب المؤسسة العسكرية لمطالب هؤلاء الشباب، وألا تكون جزءاً من الصراع السياسي. أما بالنسبة إلى القوى السياسية، فيجب أن تتعامل بجدية مع التغيير وليس شكلياً، أو في إطار المصالح الحزبية الضيقة”.

أضاف، “أعتقد أن ما يحدث الآن من مأزق حقيقي للمشهد السوداني تتحمل أيضاً مسؤوليته قوى الحرية والتغيير الحاضنة السياسية السابقة لحكومتي رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك الأولى والثانية، إذ كانت لديها الفرصة الكافية لتأسيس كامل للانتقال الديمقراطي بخاصة أنها كانت على رأس السلطة عامين، فالطرفان (المدنيون والعسكريون) لم يكونا على قدر المسؤولية والجدية، لكن، على العسكريين الآن، أن يبحثوا عن مبادرة جدية حول كيفية خروجهم من السلطة والتفرغ لممارسة دورهم في المحافظة عن الأمن القومي وليس ممارسة السياسة”. ونوه الكاتب السوداني، بأنه سبقت تظاهرات 30 يونيو مفاوضات ومشاورات قادتها الآلية الثلاثية (بعثة الأمم المتحدة في الخرطوم، والاتحاد الأفريقي، ومنظمة إيغاد)، نتجت عنها لقاءات ثنائية بين قوى الحرية والتغيير والمكون العسكري، وجاءت نتيجة ضغوط خارجية ورغبة من العسكر لإيجاد مخرج للأزمة التي تورطوا فيها بانقلاب 25 أكتوبر، وللأسف، من المتوقع في ما يجري من تسوية، إعادة مشهد الشراكة السابق نفسه بين العسكريين والمدنيين، ما يولد شعوراً بعد الاستقرار لمعارضة قطاع كبير من الشارع مثل هذه التسوية.

ترتيب صفوف

من جانبه، قال أستاذ الاقتصاد السياسي في الجامعات السودانية الحاج حمد، “في الواقع، كل الدلائل تشير إلى أن الوضع يتجه لصالح لجان المقاومة بهيمنتها على المشهد السياسي بلا منازع، في ظل تناقص دور العسكر بعد أن راهنوا على استخدام العنف المفرط لقهر وكسر شوكة المتظاهرين، لكنهم فشلوا تماماً في تحقيق هدفهم ومخططهم اليائس، فضلاً عن اتجاه قوى الحرية والتغيير نحو التسوية السياسية عبر الشراكة من جديد مع العسكر لتحقيق السلطة المدنية حسب رؤيتها، ما أدى إلى انقسام داخل هذا التحالف المدني لأنه توجه خاطئ من ناحية أن الشارع لن يقبل به، وسيواصل حراكه الثوري ضده”، مضيفاً، “واضح أن العسكر في حال انزواء تماماً عن المشهد، والجيش يواجه عملية اختيار قيادة جديدة له تخرجه من هذا المأزق، وإن لم يفعل ذلك سيطول أمد الأزمة، وما يحدث الآن أن هناك إعادة ترتيب للصفوف، ومن المؤكد أن حال التراكم يمكن أن تؤدي إلى تحكم كيفي للمشهد، لكن فعلياً، لجان المقاومة هي المسيطر الحقيقي على الشارع، حيث أبرزت قدراتها الميدانية، لذلك، هي تمارس حالياً عملية التأهيل ليكون لديها برنامج موحد لحكم الفترة الانتقالية، بخاصة بعد إجازتها وتوافقها على ميثاق سلطة الشعب الذي دشنته أخيراً، بالتالي، على القوى السياسية أن تعيد حساباتها وتعمل على تسريع وتشجيع هيمنة لجان المقاومة على الموقف السياسي في البلاد”.

استمرار العنف

وشاركت حشود كبيرة في احتجاجات 30 يونيو التي اتجهت نحو القصر الرئاسي، في ظل إجراءات أمنية غير مسبوقة بإغلاق وسط مدينة الخرطوم، والجسور والكباري المؤدية إلى العاصمة، ما عدا جسري سوبا والحلفاية، فضلاً عن قطع شبكة الاتصالات والإنترنت، وتعرضت الحشود الجماهيرية فور انطلاق مواكبها إلى قمع مفرط باستخدام القوات الأمنية الغاز المسيل للدموع بكثافة، وعربات الدفع المائي للحيلولة دون وصول المتظاهرين إلى محيط القصر الرئاسي، وتأتي هذه المشاركة الجماهيرية الواسعة نظراً إلى التعبئة الجماهيرية التي سبقت انطلاق هذه المليونية من خلال الندوات السياسية والثقافية، والمواكب الليلية داخل معظم الأحياء.

وظل حراك الشارع السوداني لمقاومة الانقلاب الذي نفذه قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، مستمراً بقيادة “لجان المقاومة”، منذ 25 أكتوبر 2021 من دون توقف، تحت شعار اللاءات الثلاثة، “لا تفاوض، لا شراكة، لا شرعية مع العسكر”، وتنوعت أشكال مقاومة الانقلاب ما بين المواكب السلمية والعصيان المدني والإضراب عن العمل، والوقفات الاحتجاجية، وبحسب لجنة أطباء السودان المركزية، لقي حتى الآن منذ وقوع الانقلاب 109 متظاهرين مصرعهم وأصيب أكثر من خمسة آلاف آخرين بإصابات متفاوتة بين خطرة ومتوسطة وبسيطة، نتيجة العنف المفرط الذي استخدمته الأجهزة الأمنية بموجب قانون الطوارئ الذي أتاح لها ممارسة العنف بكل صوره ضد الناشطين ومن يشاركون في التظاهرات والمواكب السلمية، من دون مساءلة، مهما وقع من جرم وأذى.

إندبندنت