تحقيقات وتقارير

الخرطوم وأديس أبابا .. إزالة الاحتقان

ظل ملف الحدود السودانية – الإثيوبية مصدر قلق خلال الأسابيع الماضية على خلفية مقتل جنود سودانيين على أيدي جهات إثيوبية، نفت السلطات في أديس أبابا أن يكون الفاعلون من الجيش الإثيوبي، وتداولت وسائل التواصل الاجتماعي صوراً لجنود سودانيين ومواطن سوداني مثل بجثثهم من جهات لم تعلن عن نفسها حتى الآن ما أثار غضب الخرطوم. وتوعد البرهان خلال زيارته منطقة الفشقة، بؤرة التوتر الحدودي بين السودان وإثيوبيا بالرد الحاسم على إعدام إثيوبيا لجنود سودانيين كانوا أسرى في أيدي الجيش الإثيوبي .

واعقبت ذلك عمليات عسكرية من الجيش السوداني واظهرت صور بثتها القنوات الفضائية ووسائل التواصل الاجتماعي عن هجمات عسكرية سودانية على مواقع للجيش الاثيوبي وتدمير آليات عسكرية .

أثارت التطورات في المنطقة مخاوف وقلق المجتمع الدولي اذا إنفلت زمام الامور في المنطقة الاكثر هشاشة أمنياً ، وطبقا لصحيفة “ميامى هيرالد” الأمريكية، اعربت واشنطن عن قلقها بشأن الصراع بين السودان وإثيوبيا كونه يُعرض كامل منطقة القرن الأفريقي للانفجار.

ونوهت الصحيفة في تقرير لها، إلى المناوشات بين إثيوبيا والسودان على منطقة الفشقة المتنازع عليها تعكس الطبيعة الهشة للأمن في القرن الكبير من أفريقيا والعديد من النزاعات الإقليمية التي لم تحل في القارة بعد أن أطلقت الخرطوم نيران المدفعية في إثيوبيا جراء مقتل سبعة من جنودها ومدني.

ولفتت الصحيفة إلى أن الفشقة المتنافس عليها هي منطقة خصبة من السهول الفيضية للعديد من الأنهار وتعتبر سلة الغذاء السودانية، ولكن كما هو شائع في حدود إفريقيا الاستعمارية استقر بها المزارعون الإثيوبيون.

ووفقاً للصحيفة فإنه ليس جديداً تماماً أن تحدث الاشتباكات بين البلدين ولكن خطورة توقيت هذه الاشتباكات جاءت من كونها تغذي التوترات الداخلية في كلا البلدين.

وأشارت إلى أن السودان لا يزال يقاوم الضغط الشعبي من أجل الإصلاحات الديمقراطية، بينما تتعامل إثيوبيا مع الانقسامات الداخلية العميقة والصراع الدموي في اثنين من أقاليمها الكبرى فضلاً عن أن أديس أبابا على خلاف مع كل من الخرطوم والقاهرة على سد النهضة الضخم الذي قارب على الانتهاء، ونوهت إلى أن هذه العوامل أجبرت كل من الخرطوم وأديس أبابا الى الاحتكام لصوت السلام وإخراس طبول الحرب وإيقاف التصعيد.

وفاجأ اجتماع مغلق أمس الثلاثاء في نيروبي بين رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان ورئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد على هامش قمة الايقاد الـ “39” في العاصمة الكينية “نيروبي ” المراقبين الذي اعتبروا الخطوة مهمة لجهة انها قد تنزع فتيل الأزمة التي تمضي نحو منطقة ” مظلمة” حسب وصف المحللين السياسيين .

ووصف المحلل السياسي والخبير الدبلوماسي د.علي يوسف اجتماع الرئيسين بالخطوة الأهم التي تنهي الاحتقان الأمني في المنطقة وقال يوسف لـ “الحراك” أن الخلاف الحدودي بين الخرطوم وأديس أبابا يمثل أمراً مهما لضمان سلامة أمن القرن الافريقي والدولتين ، وأضاف يوسف ” اعتقد أن اجتماع الرئيسين سيضع حداً للتصعيد الذي اعقب مقتل جنود سودانيين على أيدي الجيش الاثيوبي ” واستبعد وصول الطرفين لقرار نهائي حول انهاء الازمة ، انما قد يقدمان الدعم السياسي للجنة الحدود.

بيد أن يوسف يعتقد بأن نزع فتيل الازمة بشكل جذري يحتاج لاعتذار اديس على ارتكاب جنودها للفظائع التي شاهدها الجميع في حق الاسرى السودانيين وبالمقابل ينبغي على الخرطوم قبول الاعتذار لسد الذرائع امام الباحثين عن تجدد التوتر العسكري بين البلدين .

وأعلن البرهان وأبي أحمد في تصريحات صحفية عقب الاجتماع “طي الخلاف بين السودان وإثيوبيا وفتح صفحة جديدة في العلاقات” بين البلدين.

وقال رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، إنه اتفق مع رئيس مجلس السيادة، الفريق أول مع عبد الفتاح البرهان، تجاوز كل الانقسامات، والالتزام بالحوار والحل السلمي للقضايا العالقة. وأضاف: البلدان لديهما الكثير من العناصر التعاونية للعمل عليها سلمياً.

وأوضح في تدوينة على صفحته بفيسبوك أنه أجرى نقاشاً مع البرهان أكدا خلاله أن البلدين لديهما أسس عديدة للعمل عليها سلمياً، وقال: ” الرابط بيننا أكبر من أي فراق. لقد عبر كلانا عن تصميمنا على حل القضايا التي لم تحل بالطرق السلمية.

وأكد أبي أحمد أن “روابطنا المشتركة مع السودان تتجاوز أي انقسامات”، مؤكداً التزام بلاده “بالحوار والحل السلمي لكافة القضايا مع السودان”.

ومن جهته توقع المحلل السياسي وأستاذ العلاقات الدولية د.صلاح الدين الدومة تقديم البرهان اعتذاراً رسمياً للرئيس الإثيوبي أبي أحمد عما بدر منه من وعيد تجاه اثيوبيا، وقال الدومة لـ”الحراك” أظن البرهان سيقدم مبرراتٍ لما أقدم عليه من تهديد بحجة أن هناك من دفعه من إسلاميين لزيارة الفشقة وإطلاق تهديداته، وعبر الدومة عن شكوكه إزاء ما حدث في الحدود وقال “الغرض من مسرحية الفشقة خلط أوراق القوى الثورية وإلهاء الشارع بافتعال حرب مع الجارة إثيوبيا، إلا أن السهم ارتد على راميه حسب قوله .

ورحب خبراء عسكريون بتصريحات الرئيسين عقب اجتماعهما المغلق، وقال الخبير العسكري د.محمد عبد الجابر لـ”الحراك” إن الاجتماع ومخرجاته كانت ضرورية في هذا التوقيت، خصوصاً أن الدولتين تواجهان تعقيدات أمنية وسياسية ولابد من تفرغهما لمشاكلهما الداخلية، بدلاً من الانشغال بمشكلة لا تستدعي المواجهة العسكرية ويمكن حلها بأكثر من وسيلة غير الحرب .

ومضى بقوله “إذا اندلعت حرب بين الدولتين فالنتائج ستكون وخيمة وتفتح أبواب الجحيم لدول الجوار خصوصاً أن المنطقة برمتها تجلس فوق بركان من الصراعات والحروب الأهلية وتدفق كبير للأسلحة، وقد تهئ بيئة خصبة لتنظيمات الجرائم العابرة للحدود مثل الإرهاب والاتجار بالبشر والمخدرات ” .

الخرطوم – نبيل صالح
صحيفة الحراك السياسي