تحقيقات وتقارير

“خراف” لا يمكن ذبحها يوم العيد

في هذا اليوم (عيد الأضحى) يفوق عدد الخراف التي سيتم ذبحها وفقاً للنسك الإسلامي الموافق للحج ما تم ذبحه خلال الأشهر الماضية، إذ لا تنجو الخراف السمان من هذا الطقس الرئيس لدى المسلمين، لكن في العالم العربي، ووفق قاموس مصطلحاته هناك “خرفان” ضمنت النجاة من سكين الجزار، وهو ما دعا أحدهم إلى القول، إن “ثمّة خروفاً لا يمكن ذبحه اليوم”، يقصد بذلك مصطلحاً يتردد بين مجتمعات خليجية وعربية عدة حين يكون الرجل والمرأة على طرفي علاقة يكون الأول واهناً فيها ومطيعاً.

الجملة التي تثير الضحك في الربع الأول من نهارات الأعياد تبدو مثيرة للحنق بقية أيام العام، إذ يراها الناس “توسع دائرة الفجوة والجفاء بين آدم وحواء”.

لا أحد يعرف كيف بدأ ومن أين جاء مصطلح “الرجل الخروف” الذي يُوصف به غالباً الرجل الذي يدفع بشكل سخيّ من عواطفه ومن جيبه نحو امرأة يعرفها، أو حتى تلك التي لا يعرفها.

ثمّة قصة، وإن كان مثلها كثير تدل على أن اختيار الخروف تحديداً لأنه سريع الانقياد، ولأنه ينساق، والانسياق هنا في عرف البشر يجر خلفه قطيعاً واسعاً من المشاعر ومن المال، وأشياء أخرى تكلفتها باهظة.

“خرفان بانورج”

هل أتاك حديث “خرفان بانورج”؟ لربما أنها واحدة من القصص التي دعت العرب إلى تسمية الرجل الذي يغدق بدلاله على المرأة “خروفاً”، وهي القصة التي تدل على أن الموت في عرف الخراف هين ولا قيمة له إن كان الأمر يتعلق بالانقياد. يروي الكاتب الفرنسي فرانسوا رابليه قصة رجل يدعى “بانورج” (Panurge)، وهو الذي كان في رحلة بحرية على متن سفينة، كان على ظهرها تاجر أغنام جشع يدعى “دندونو” ويصطحب قطيعاً من الأغنام.

يقول رابليه في قصته، إن شجاراً وقع على سطح المركب بين التاجر الجشع “دندونو” و”بانورج”، مما دعا الأخير إلى الانتقام بفراسة حين اشترى أكبر خرفان الأول، هذا الأمر بدا مثيراً لحيرة التاجر الخصم وراكبي المركب، وزاد الذهول قيمة السلعة التي جاءت كبيرة بعد خصومة، لكن ما يضمره “بانورج” بداخله ليس إلا انتقاماً بفراسة ودهاءً، وذلك حين دفع بزعيم الخراف بقوة في عرض البحر، وهو الأمر الذي دعا بقية الخراف للاصطفاف واحداً تلو الآخر واتباعه للحتف الأخير وسط البحر في حيرة وذهول من “دندونو” الذي حاول كثيراً منع القطيع من القفز إلى الماء، لكن من دون جدوى. لقد فقد التاجر الجشع أغنامه!

ومن هذه القصة صار تعبير “خرفان بانورج” (moutons de Panurge) مصطلحاً شائعاً في اللغة الفرنسية، ويعني انسياق الجماعة بلا وعي أو إرادة وراء آراء أو أفعال الآخرين، لكنه في عرف مخترعي مصطلح الرجل الخروف اليوم هو انسياق الرجل وراء فتاة ما بكل ما يستطيع، حتى وإن كان ذلك على نفسه عزيزاً.

نازي ويهودية

للعلاقة بين الرجل والمرأة تفاصيل كثيرة وتقاطعات لا طائل منها، حتى الفلاسفة وإن كره بعض منهم المرأة، وهي التي تبدو في نظر نيتشه “فخاً نصبته الطبيعة للرجل”، فإن مارتن هيدغر صاحب “الكينونة والزمن”، وهو الرجل النازي، كان قد وقع في شباك حب الفيلسوفة اليهودية “حنة آرنت” على الرغم من أنه كان متزوجاً، وربما أن هذا أقصى مثل يمكن ضربه لعلاقة بين ضدين “رجل نازي وامرأة يهودية”، وهو مثل يمكن تكييفه مع مصطلح اليوم الذي أصبح رائجاً.

الرجل الذي يبدو مطيعاً للمرأة بشكل فارط يبدو “خروفاً” في نظر مطلقي المصطلح، وهو ما تسبب في سجال كبير، حتى إن بعض نكات برامج الميديا اليوم لا يمكن لمستخدميها أن يمر مصطلح خروف دون أن يُعاد تكرير وصمة “الرجل الخروف”، كقول مُطلقو نكتة اليوم التي جاءت على شكل سؤال، “من هو الخروف الذي لا يمكن ذبحة للأضحية؟”، وهو السؤال الذي يجعلك تتحسس تعابير الوجوه من حولك.

الصحافة المحلية في السعودية بدورها كتبت منذ عقد وأكثر عشرات التقارير حول مصطلح “الرجل الخروف” وتفسيراته، والتقت أطرافاً كثيرة يقول قائل منهم إن “الرجل الكاش/ الثري” أكثر ضحاياه.

المال وحسب… لا العاطفة

تقول سمر (33 عاماً)، “الفتيات اللاتي يلجأن لإغواء الرجل الخروف (كما تقول) واستغلاله يكون ذلك لأمرين، الاحتياج المادي، أو البحث عن الكماليات، والأكيد أنهن لا يبحثن عن احتياج عاطفي، إذ إن المادة هي ما ينقصهن”.

وتضيف، “الرجل هو الذي يُبادر ويفتح جيبه قبل قلبه ألا تريد للفتاة استغلال هذا؟”، فيما ترى أخرى أنه “يمكن للرجل دفع 10 آلاف ريال قيمة حقيبة (لويس فيتون) مقابل إبداء الإعجاب به ومرافقته لاحتساء فنجان من القهوة”، قالتها سارة (اسم مستعار) حين سُئلت عن مواقفها مع الرجال الذين تصف بعضهم أنهم “كالخراف” من فرط ما يغدقون دون مقابل، وهو بحسب قولها، “الرجل الذي مضى ربيع عمره ووصل إلى مرحلة لا يريد فيها سوى مرافقة فتاة تغدق عليه بكلمات المديح وهو يغرقها بالمال والكماليات”، وهي بذلك تشير إلى أن كبار السن أو من يوصفون أحياناً بـ”Sugar daddy” أكثر ضحايا الفتيات.

ويشير متخصصون إلى أن ثمّة مساوئ لوصف الرجل بأوصاف كهذه، بخاصة الذي يفرط في تدليل أهله وزوجته، إذ إن للمصطلح جرعة سامة يمكنها تسميم العلاقة بين الزوجين، وذلك حتى يتفادى الرجل وصفاً كهذا.

صناعة المصطلحات

بعيداً من مصطلح “الخروف” الذي تنامى عن طريق الغواية والإغراء، يبرع السعوديون في صناعة المصطلحات التي تأتي من رحم الأحداث لتصبح لازمة وذات معنى، كمثل مصطلح “جحفلي” و”جحفلة”، وهما مصطلحان لم يكونا قبل عام 2015 مذكورين، وهو ما يقال في حال حدوث نهاية غير متوقعة فجأةً. وجاء ذلك في نهائي كأس الملك حين كانت تقام مباراة حاسمة على الكأس بين فريقي الهلال والنصر، والتي كان يعتزم فيها الحكم إطلاق صافرته في الدقيقة 119 إيذاناً بتتويج النصر المتقدم بهدف من دون مقابل، لكن اللاعب الذي غير مجرى المباراة لفريقه محمد جحفلي جاء بهدف خاطف غير متوقع. ومنذ ذلك الحين ولدت “الجحفلة” ومصطلحها الدارج الأشهر، وغيرها ثمّة مصطلحات درجت على الألسن، وصارت دلالة لكل وصف كـ”الدرباوية”، ويقصد بها المراهق الذي يميل للبوهيمية بتصرفاته، وكلمة “هياط” التي تشير إلى الكذب والمبالغة في التفاخر، والتي بدأ ظهورها في مايو (أيار) 2006 عندما استخدمها عضو في موقع “سوالف للجميع” لوصف مميزات سيارات الـ”جي أم سي”، وانتشر استخدامها على مواقع التواصل الاجتماعي بعد ذلك

إندبندنت