لماذا اختارت (قوى الثورة) خطاب الكراهية والإنتقام
لماذا اختارت (قوى الثورة) خطاب الكراهية والإنتقام
راعني ما شاهدته من مقاطعات الشباب بالهتاف الهستيري للإمام الذي امهم في صلاة العيد في اعتصام المؤسسة بحري وصراخهم في وجهه (شبابنا تحت التراب) ولم يسمحوا له بإكمال الخطبة التي دغدغ فيها على مشاعرهم وذلك عندما ترجاهم بان يرفعوا اعتصامهم تفاديا للمضايقات التي يسببونها للسكان في فترة العيد!!!!
ومما دفعني إلى كتابة هذا المقال ايضا هو الحشد العاطفي الذي استتبع هتاف شباب الثورة (الدم قصاد الدم وما بنقبل الدية) لدرجة ان الكل اضحي عنده قاتلا او بائعا لدماء الشهداء … فقد برر احدهم المضايقات التي يتسببون فيها لعامة الشعب بالتتريس واغلاق الشوارع والمطاردات التي يطلبونها مع الشرطة في وسط الاحياء بحجة انهم يبحثون عن العدالة لشهدائهم وكأن كل من لم يشاركهم في هذا البحث متواطئ مع القتلة !!!!
القارئ لتاريخ السودان الحديث يلاحظ ان القوى السياسية كانت تحتسب شهدائها ومعاناتها من أجل الدين والوطن منذ الثورة المهدية مرورا بشهداء مذبحة المتمة والنخيلة وكرري وام دبيكرات حتي الجبهة الوطنية المعارضة للنميري ولم يفتح الانصار أوالإسلاميون واهالي مجزرة قصر الضيافة التي ارتكبها الشيوعيون في عهد مايو ملفاتها ولا تلك التي ارتكبها نظام عبود في الترحيل القسري لسكان حلفا القديمة بل عندما طالب الشيوعيون بمحاكمة نظام عبود – الذي دخلوا مجلسه المركزي وشاركوه مع الدولة الشيوعية عشية ثورة اكتوبر- عارضتهم القوى الوطنية وفاءا بعهد العفو والتسامح وتحولت المحكمة الي مجرد شهادة للتاريخ
وعندما طالب زعيم حزب الامة بتعويض الانصار بعد المصالحة مع النميري عن خسائر النضال كره المراقبون ذلك..
بل خلافا لما كان متوقعا لم يفتح الجنوبيون ملف الحرب التي استمرت خمسين عاما وارتكبت فيها الانظمة المتعاقبة الجرائم ضد السكان بل حتى الجرائم التي ارتكبت في عهد احتلال الباشا المصري للسودان من مذابح واسترقاق وتهجير قسري لسكان نهر النيل او تلك التي ارتكبت في عهد الحكم الثنائي الإنجليزي المصري لم يتكلم عنها احد
لذلك حق للمرء ان يتساءل لماذا اختار قادة ثورة ديسمبر الانتقام وخطاب الكراهية باسم العدالة وعدم الإفلات من العقاب بدلا من العفو، والتسامح ؟؟!
بل لم تسكت الحركات المسلحة عن جرائم الحرب التي ارتكبت في دارفور وجنوب كردفان لانها تريد الصلح والعفو كما اعلنت ولكن لان كل اطراف الحرب بمن فيهم الحركات المسلحة كانوا شركاء في تلك الجرائم وهم اليوم يفضلون ابتزاز بعضهم البعض للإستمتاع بالحصص والإمتيازات في السلطة والثروة
وكذلك الجرائم الانسانية التي ارتكبها التجمع الديمقراطي والد قحت الشرعي في جنوب النيل الأزرق وكسلا وهمشكوريب كانت ستطالها لذلك سكتت عنها رهبة لا رغبة في المصالحة.
قد يقول قائل ان التعبئة ليس مقصودا منها تحقيق العدالة وانما مقصود منها تبرير كل الإجراءات غير القانونية التي تتخذ لتصفية الخصوم السياسيين واحداث القطيعة الكاملة بين الشباب لتنفيذ مخطط الشيوعيين في (تحطيم) (الدولة البرحوازية) التي تاسست منذ الاستقلال وقد يصدق هولاء لان قادة من يسمون انفسهم بقوى الثورة ظلوا ينتظرون لجنة يقولون ان الجانى هو من كونها بدلا من ان يقوموا بتكوين لجان مستقلة ويلجأون إلى القضاء
ويظل الوطن واستقراره هو اول ضحايا هذه المتاجرة بدماء الشهداء ..
د. عبد المحمود النور