رجم و”ردة” في السودان فهل يرجع إلى الخلف؟
يبدو أن الثورة السودانية أطاحت نظام حكم قديماً وجاءت بغيره دون أي تغيير في معتقدات المجتمع. هكذا هو لسان حال النخبة السودانية وخصوصاً الحقوقيين، وهم يتابعون حادثتين أثارتا الرأي العام وأعادتا إلى الأذهان انتهاكات حقوق الإنسان وقوانين النظام السابق المهينة للكرامة.
في الحادثة الأولى ألقت شرطة زالنجي بوسط دارفور القبض على أربعة شباب من بينهم اثنان أشقاء، وتلاحق خمسة آخرين بتهمة الردة عن الدين الإسلامي، وفي الثانية قضت محكمة جنايات كوستي بولاية النيل الأبيض بالإعدام رجماً على سيدة (20 سنة)، بتهمة “الزنا”، استناداً إلى القانون الجنائي السوداني لعام 1991.
تميزت الثورة السودانية بمحاربتها للقوانين التي يصنفها حقوقيون باعتبارها قوانين مهينة لكرامة الإنسان، وبالفعل أجرت الحكومة تعديلات على عدد منها كحد الردة والزنا وشرب الخمور وختان الإناث، لكن يبدو أن الأمور ترجع إلى الخلف.
إدانة كبيرة
ودان المركز الأفريقي لدراسات العدالة والسلام استخدام عقوبة الإعدام في جميع الحالات وقال في بيان، إن “تلك القضية تؤكد الحاجة الملحة إلى إصدار السلطات السودانية تعليقاً فورياً لجميع عمليات الإعدام تمهيداً لإلغاء تلك العقوبة ومراجعة جميع التشريعات التي تهدف أو تؤدي إلى التمييز ضد المرأة”.
وقال المحامي أحمد صبير إن “قوانين الردة قد وردت في المادة 126 من القانون الجنائي وألغيت في عام 2020، واستبدلت بمادة تجرم كل شخص يكفر الآخرين،
أما المادة 146 لعقوبة الزنا فتنص على الجلد 100 جلدة لغير المتزوج والرجم للمتزوج. وفي عام 2015 في مشروع تعديلات طرحه البرلمان أجاز مادة الزنا”.
وعلق صبير قائلاً إن “العقوبة قاسية وغير إنسانية ويجب إلغاؤها، وحتى عقوبة الجلد أيضاً تصنف من العقوبات المهينة للكرامة الإنسانية”.
نصوص الشريعة
وفي الوقت الذي يطالب فيه ناشطون بإلغاء القوانين المتعلقة بالرجم والجلد طالب عدد بضرورة تفعيلها لكونها نصوصاً في الشريعة الإسلامية.
وقال المحامي القانوني أشرف مؤمن إن “القانون السوداني مقتبس من الشريعة الإسلامية التي تنص على الرجم وتحرم الردة، ويجب ألا تطالب الثورة بإلغاء القوانين لأنها شرعية”.
وأضاف مؤمن أن “عدم تفعيل هذه القوانين أو العمل بها ليس لعدم صلاحيتها، بل لأنه لم تثبت الجريمة على أي شخص لأن إثباتها ليس بالأمر البسيط أو السهل”.
بريطانيا تتدخل
على هامش زيارته لرئيس مجلس السيادة قال السفير البريطاني غايلز ليفر، إنه تطرق إلى قضية سيدة من مدينة كوستي تواجه قراراً قضائياً بالإعدام رجماً على خلفية “قضية زنا”.
وسلطت وزارة الخارجية البريطانية الضوء على تلك القضية وجرى تناولها من أعلى مستويات الدبلوماسية البريطانية بحسب صحف محلية، حيث ذكر مصدر أن السفير البريطاني تحدث مع البرهان بخصوصها وقال إن وزارة الخارجية البريطانية تشعر بالقلق حيالها.
وقالت الناشطة النسوية والحقوقية إيناس مزمل إن “العقوبات مثل الرجم في حد الزنا هي عقوبات يصعب تطبيقها لصعوبة إثبات الجريمة، وتدخل ضمن العقوبات المهينة للإنسان في ظل وضع اجتماعي شائك ومعقد في السودان لأن السيوف مسلطة دائماً على النساء، فكل ما له علاقة بالنساء مرتبط بالوصمة والشرف والسمعة وأخلاق الأسرة ويتجاوز المتهمة ليمس كل أفراد الأسرة في مجتمع بسيط يسمع للنميمة ويتداول هذا النوع من الأخبار”.
ماذا ينتظر السودان بسبب انتهاك حقوق الإنسان؟
وعن إلغاء القوانين قالت مزمل إن “إلغاء هذه العقوبات يدخل في إطار الإصلاحات العدلية والتشريعية والقانونية بما فيها قوانين الأحوال الشخصية والقوانين الجنائية والجنسية وكل القوانين التي تحمل في طياتها نصوصاً تجريمية تخضع لأحكام القضاة أكثر من خضوعها للعدالة”.
دور الثورة السودانية
أما عن دور الثورة السودانية في تعديل القوانين قالت مزمل “الناس ثائرة في السودان منذ 2013 حتى ثورة ديسمبر (كانون الأول) 2018، التي أطاحت بديكتاتور جلس على كرسي الحكم 30 عاماً وجثم على صدور الناس. والثورة تحمل في طياتها شعارات الحرية والسلام والعدالة وهذا الأمر يخلق علامات استفهام، فهل أطاحت الثورة برموز النظام فقط ولم تخلق تغييراً اجتماعياً؟”.
وتابعت “على الرغم من أن الزمن طال منذ بداية الحراك حتى الآن والناس تعتقد أنه بشكل أو بآخر تشكل وعياً جمعياً جديداً بما أن الثورة ثورة وعي، لكن من الواضح أن حوادث مثل حادثة سيدة كوستي تخبرنا بأننا نحتاج لقطع أميال طويلة للوصول للحرية والسلام والعدالة”.
يذكر أن الحكومة السودانية في 2020 أجرت مجموعة من التعديلات القانونية شملت السماح لغير المسلمين باحتساء الخمور وإلغاء قانون الردة وعقوبة الجلد.
وقال وزير العدل السوداني نصر الدين عبد الباري وقتها “سنسقط جميع القوانين التي تنتهك حقوق الإنسان في السودان”.
وجرت تعديلات كبيرة تتمثل في إلغاء المادة المتعلقة بالردة عن الإسلام التي كانت من المواد المثيرة للجدل في السودان، وتجريم الختان وغيرها.
إندبندنت عربية