حليم عباس يكتب: إعتذار قحت !
“الثائر لا يخطئ” كما قال أمادو؛ هذا الكلام صحيح بمعنى من ما؛ فالثائر لا يستطيع الإعتراف بأنه يخطيء ويصيب مثل البشر الآخرين؛ الثورة تفترض درجة من الطهرانية والنقاء والثقة إلى الحد الذي يدفع إلى التضحية بالنفس (و أيضاً الحرب وقتل الأعداء). عندما تفقد الثورة هذه الطهرانية (وهي طهرانية زائفة بالطبع)، تغدو ممارسةً سياسية؛ تقديرات تخطئ وتصيب. وهذه هي السياسة.
الثورة هي في الحقيقة حدث سياسي ويُمكن أن تخطئ وتصيب، ولكن منطق الثورة لا يتقبل فكرة الخطأ، منطق عاطفي كلياً.
إن قيام قوى تسمي نفسها “قوى ثورة” بتقديم اعتذار عن ممارستها يعني تلقائياً قطيعة مع منطق الثورة. منطق الإعتذار هو منطق سياسي غير ثوري، إصلاحي، منطق يحتكم إلى العقل: أنا أخطأت ولكني أطالبك أن تحاسبني بموضوعية بعيداً عن العاطفة.
في السياسة لا توجد يقينيات بإمتلاك الحقيقة وتمثيل الخير المطلق بينما يمثل الآخرون الشر المطلق، و بالتالي يُمكن أن نتقبل في السياسة فكرة الصواب والخطأ و الإعتذار. و لكن ذلك يعني مغادرة مربع الثورة نهائياً. إذ لا يمكنك أن تدفع بالناس إلى الموت من أجل مشروع سياسي يقبل الخطأ والصواب، و قد يكون خاطئ كلياً. السياسية لا تستحق ذلك. عملياً من غير الممكن لشخص يشك في أنه ربما يكون المشروع الذي يعمل عليه على خطأ أن يقدم على التضحية بنفسه، لا يُمكنكم الاستمرار في دفع الشباب نحو الموت من أجل موقف سياسي وأجندة سياسية قد تكون خاطئة أو صائبة. فلا أنتم ملائكة ولا خصومكم شياطين؛ الجميع بشر يخطئ ويصيب، والفيصل في السياسة هو الشعب، هو الإنتخابات والصناديق وليس ما يُسمى بالشرعية الثورية الزائفة.
حليم عباس