استخدام الإغتصاب كسلاح ضد النِساء .. “إستراتيجيّات الإذلال”!
* ناجية من محاولة اغتصاب : قوة أمنية مكونة من 3 أفراد نزعوا ثيابي وضربوني بـ(الدبشك والبوت) في مناطق حساسة من الجسد.
* مدير وحدة مكافحة العنف ضد المرأة سُليمى إسحق : وثقنا (3) حالات اغتصاب و(20) حالة تحرش منذ انقلاب لـ25 من أكتوبر.
* عضو لجنة محامو الطوارئ رحاب مبارك : (4) فقط من ضحايا الاغتصاب من جملة (30) تمكًّن من تدوين بلاغات لدى الاقسام الشرطية ضد أفراد في قوات الاحتياطي المركزي ولكن البلاغات لم يتم تحريكها حتى الآن.
(30) فتاة تعرضن للاغتصاب منذ انقلاب لـ25 من أكتوبر وفقًا لاحصائية أعدتها لجنة محامو الطوارئ التي تضم مجموعة من المحامين العاملين في حقوق الانسان تشكلت عقب صدور لائحة الطوارئ؛إضافة لـ(20) حالات تحرش موثقة لديهم.
(4) فتيات فقط تَمكَّن من تدوين بلاغات جنائية في الاقسام الشُرطية ضد أفراد يتبعون لقوات الاحتياطي المركزي وهي فرقة من الشرطة تعرف محليا باسم أبو طيرة نسبة إلى الطائر الذي يزين شعارها.وبالرغم من تجاوزهن الوصمة الاجتماعية ورغبتهن في معاقبة الجُناة وتحقيق العدالة إلاّ أن كافة البلاغات المدونة لم تَبرح مكانها حتى الان.
ضحية محاولة اغتصاب تروي قصتها:
خرجت السيدة (أ) ـ حُجب الإسم بناءً على رغبة الناجية ـ صباح الـ24 من يناير الماضي للمُشاركة في مظاهرات سلمية احتجاجًا على الانقلاب العسكري الذي وقع في اكتوبر 2021؛بيد أنها عاشت واقعة قاسية لاتزال تُلقي بظلالها السوداء على حياتها رغم اصرارها على النجاة.تقول وهي تروي ما عانته لـ(الجريدة) : كنتُ بمعية (3) من الاصدقاء\ت في طريقنا للانضمام إلى المتظاهرين المتجهين إلى القصر الجمهوري على مقربة من موقف “شروني”وسط العاصمة الخرطوم حين بدأت القوات الأمنية اطلاق الغاز المسيّل للدموع بإفراط لتفريق جموع المتظاهرين التي اقتربت من محيط القصر ماتسبب في رجوعنا إلى الخلف.
تقول (أ) في محاولة خروجنا من المنطقة عقب تزايد القمع اعترضت طريق السيارة قوة أمنية مكونة من أفراد يرتدون زيّ قوات الاحتياطي المركزي، وقوات مكافحة الشغب وأخرين يرتدون الزيّ المدني أُرجح انتمائهم لجهاز الأمن؛ وفورًا أُمرنا بالترجل من السيارة فإنهالوا علينا ضربًا بالعصي وقاموا بنهب كافة مقتنياتنا منها هاتف نقال ومبلغ (100) دولار ومبالغ بالجُنيه السُّوداني وانبوبة غاز كانت في المقعد الخلفي للسيارة.وأضافت : تواصل الضرب مصحوبًا بألفاظ بذيئة والتهديد بالاغتصاب فحاولتُ الفرار عقب صياح أحدهم :”سوف نغتصبكم لتكونوا عبرة”؛فأمسكوا بِي ورموني أرضًا،بينما ظل أحدهم يُردد “أضربوهم”. تقول (أ) : حاولتُ النهوض مجددًا من الأرض فضربني أحدهم بـ(البوت) في منطقة الصدر مباشرة فسقطتُ مغشيًا علي وأفقت جزئيًا أثناء قيامهم بحملي والزج بي داخل عربة “دفار” يتبع للشرطة مغلق بالكامل.
وتتابع : داخل “الدفار” قاموا بإنتزاع ثيابي،كانوا ثلاثة أفراد،يرتدي اثنان منهم زي قوات الاحتياطي المركزي بينما يرتدي الأخير زيّ الشرطة أزرق اللون،كنتُ أصرخ بصوت عالي ومع ذلك واصلوا ضربي في مناطق حساسة من جسدي “بين الفخذين والصدر” وزج أنبوبة الغاز بثقلها علي.
تمكن ضابط يقود سيارة “بوكس” من انتزاعي من بين ايديهم،تقول (أ) كنتُ حينها خائرة القوى فساعدني على ارتداء ثيابي واقتيادي والدماء تسيل من كافة أنحاء جسدي حيثُ أُصبت في منطقة الحاجب والأنف والصدر ومؤخرة الرأس بواسطة الدْلبشَك وهو القسم الأسفل من حاضِن بندقيَّة، يمكِّن من إسنادها على الكتف لإطلاق النَّار.وتم نقلي إلى قوة أمنية أُخرى تقود عربة “دفار” مفتوح من السقف؛ فشعرتُ لوهلة رغم الألم ببعض الارتياح. ومن ثم نُقلت بمعية أخرين إلى مقر المباحث الفيدرالية على مقربة من “صينية القندول” ومنها إلى قسم شرطة الخرطوم شمال “القسم الشمالي” وهُناك قمتُ باستخراج أورنيك ( 8 ) وأُسعفت إلى مستشفى الجودة مباشرة.
اتجهت (أ) صباح اليوم التالي الـ25 من يناير إلى النيابة العامة حيثً تمكنت بمساعدة لجنة محامو الطوارئ من تدوين بلاغت في مواجهة القوة الأمنية المعتدية عليها وأكّدتُ تعرضها لمحاولة اغتصاب وتحرش وضرب مبرح ماتسبب في اصابتها بتهتك في شبكية العين واضطرابات نفسية حادة لاتزال تُعاني منها وسرقة كافة مقتنياتها.
وفي مارس الماضي فرضت الولايات المتحدة عقوبات على قوات الاحتياطي المركزي بسبب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان،واتهمتها باستخدام القوة المفرطة ضد متظاهرين يحتجون سلميا.وقالت وزارة الخزانة الأمريكية في بيان سابق ـ اطلعت عليه الجريدة ـ إن قوات الاحتياطي المركزي،وهي جزء من الشرطة، كانت في صدارة قوات الأمن السودانية التي لجأت إلى “الرد العنيف” للتعامل مع الاحتجاجات السلمية في الخرطوم.
وقال برايان نيلسون وكيل وزارة الخزانة لشؤون الإرهاب والمخابرات المالية في البيان “منذ استيلاء الجيش على السلطة في 25 أكتوبر، استخدمت شرطة الاحتياطي المركزي في السودان القوة المفرطة والعنف بهدف إسكات النشطاء والمحتجين المدنيين. وأضاف “نُندد بأجهزة الأمن السودانية بسبب قتل ومضايقة وترهيب المواطنين السودانين”.
وتأتي العقوبات في إطار ما يسمى بقانون ماجنيتسكي العالمي والذي يهدف لمعاقبة المتهمين بارتكاب جرائم فساد وانتهاكات لحقوق الإنسان وأعمال مناهضة للديمقراطية حول العالم،وسيتم بموجبها تجميد أي أصول أمريكية لقوات الاحتياطي المركزي ومنع الأمريكيين من التعامل معه.
19 ديسمبر
وفي مقابلة أجرتها معها (الجريدة) قالت مدير وحدة مكافحة العنف ضد المرأة التابعة لوزارة التنمية الاجتماعية سُليمى إسحق إن انتهاكات القوات الأمنية ضد المرأة بدأت منذ صبيحة الانقلاب العسكري مباشرة باقتحام أفرادها لداخليات الطالبات وسط العاصمة الخرطوم وضربهم واجبارهم على اخلاء السكن بالقوة؛ثم توالت بعدها حوادث ضرب السيدات في الشوارع وهُن في طريق عودتهن من مقار عملهن حيث وثقت كاميرا احدى القنوات الفضائية حادثة اعتداء أفراد يتبعون لقوات الاحتياطي المركزي بالضرب على سيدة كانت في طريق عودتها للمنزل.ووجدت الحادثة استهجان ورفض كبير من الشعب السُّوداني.
وتتابع : ” الحدث الأسوأ وقع يوم 19 ديسمبر الذي شهد جريمة اغتصاب جماعي لفتاتين وقد قمنا بتوثيق هذه الجريمة المؤلمة إضافة لـ(20) حادثة تحرش حيث تعرضن للضرب الشديد أثناء الخروج من أماكن التظاهر وسرقة المقتنيات والتفتيش ومن ثمة اللمس في مناطق حساسة من الجسد”.
تُقول “سُليمي” إن العنف الجنسي ليس اغتصاب فقط وإنما العنف اللفظي بواسطة كلمات خادشة للحياء أو اللمس في مناطق حساسة أو التهديد بالاغتصاب.وتشدد على أن سلسلة الانتهاكات ضد النساء منذ الـ19 من ديسمبر وماتلاه باتت تٌشبه السيناريو المعد مسبقًا لتحجيم دورهن الفعال في الحراك الثوري.
إنكار السُلطة الأمنية
وتصر السُلطة الحاكمة على إنكار جرائم الاغتصاب التي حدثت منذ الـ25 من اكتوبر؛حيث قالت الحكومة السًّودانية في رسالة الى مجلس الأمن انه بالعودة لمضابط الشرطة والنيابة العامة،تأكد وجود حالتي اغتصاب فقط تم اتخاذ الإجراءات القانونية في إحداها بينما لم تكمل الضحية الثانية فتح البلاغ.
واستنكرت ” سُليمي ” محاولة إنكار الحكومة جرائم موثقة بواسطة جهة حكومية ـ تعني وحدة مكافحة العنف ضد المرأة التابعة لوزارة التنمية الاجتماعيةـ ومدونة في محاضر الشُرطة بقولها : “عندما جاءوا إلينا وضعنا أمامهم كافة الملفات المتعلقة بالانتهاكات ضد النساء بيد أنهم تعمدوا اقصائنا ومنعنا من حضور كافة الاجتماعات لاحقًا،يُريدون منا طمس الحقائق ولكن هيهات”.
وتزيد : “هُناك (3) حالات اغتصاب جماعي موثقة لدينا؛(2) منها حدثت في الـ19 من يناير وأُخرى حدثت لفتاة تبلغ من العمر 18 عامًا على مقربة من كُبري المسلمية في مارس الماضي.
تحقيق واستدعاء
دونت السلطات السودانية مطلع أبريل المنصرم،بلاغًا ضد مدير وحدة مكافحة العنف ضد المرأة التابعة لوزارة التنمية الاجتماعية “سُليمى إسحق” تحت المادة 47 المتعلقة بالإجراءات الجنائية على خلفية تقرير قدمه المبعوث الأممي فولكر يرتس لمجلس الأمن في 2 مارس الماضي تحدث عن حالات اغتصاب طالت محتجات واستمرار الانتهاكات التي ترتكبها أجهزة الأمن ضد المحتجين السلميين.وتم استدعائها من نيابة الجرائم الموجهة ضد الدولة للتحقيق معها حول تسريب المعلومات المتعلقة بحالات الاغتصاب لرئيس بعثة “يونيتامس”.
وترى سُليمي في مواصلة حديثها إن التحقيق الذي تم معها اجراء خاطئ وتدخل في صميم عمل وحدة مكافحة العنف ضد المرأة بوزارة التنمية الاجتماعية؛كاشفة عن مواجهتها مضايقات عدة منذ الانقلاب العسكري قادت إلى تحجيم عمل الوحدة الذي اختصر على توثيق الانتهاكات والتدريب المختص بتقديم العون المعني بالعنف المبنى على النوع في ظل حالة الطوارئ وذلك عقب توقف كافة آليات العمل وإيقاف الدعم المادي بداية الانقلاب مادفعها الاتجاه لتقديم استقالتها والتراجع فيما بعد تقول: “نعمل في ظل انقلاب عسكري ووضع سياسي متأرجح بيد أنه يجب ايصال صوت النساء وتسليط الضوء على قضاياهم رغم ما نتعرض له من مضايقات”. هذا إضافة إلى أن تقديم الإستقالة في هذا التوقيت وفي ظل الإتهامات والتشكيك في مصداقية ماقدمته الوحدة قد يُشير إلى أن مانشر حول الانتهاكات ضد النساء غير صحيح، وقد يضرب مصداقية ماقدمناه؛كما أنها هروب من المواجهة ورد فعل جبان للتحقيق معي في صميم عملي. وتزيد :” لن استقيل أنا باقية في عملي”.
الافلات من العقاب
وتؤكد عضو لجنة محامو الطوارئ ؛ والمحامية المختصة في رصد الانتهاكات ضد النساء رحاب مبارك تزايد استهداف القوات الأمنية للفتيات المشاركات في المظاهرات الأخيرة سيما اللائي في الصفوف الأمامية أو مايعرف بـ(الاشتباك) حيث أُصيبت (26) منهن اصابات متفاوتة منها كسور في الأطراف واستئصال للعين.
وقالت “مبارك” في مقابلة أجرتها معها (الجريدة) إن لجنة محامو الطوارئ وثقت لـ(30) حادثة اغتصاب لفتيات منذ الـ25 من اكتوبر الماضي،(4) منهن فقط دون بلاغات في الاقسام الشرطية وذلك بسبب الخوف الذي يسطر على الضحايا وأسرهم من الوصمة الاجتماعية،هذا اضافة لـ(7) حالات تحرش.
وأشارت إلى أن البلاغات المدونة ضد أفراد يتبعون لقوات الاحتياطي المركزي لم تبرح مكانها حتى الان ولم يتم القاء القبض على الجناة وتابعت :” نقوم بتدوين هذه البلاغات لدى الاقسام الشرطية ونوضح تفاصيل الواقعة وتقديم الشهود ولكنها تظل حبيسة الادراج وهو أمر مؤسف للغاية”.
تتلقى (15) ناجية من التحرش الجنسي و(17) ناجي العلاج النفسي داخل مراكز متخصصة ووفقًا لحديث المحامية رحاب مبارك فإن متابعة الحالات ضروري للغاية خوفًا من تعرضهن لنوبات هلع أو تفكير في الانتحار. وتشدد على ضرورة خضوعهن للطب النفسي للتعافي من اثار الحادثة وما يترتب عليها.
وتشدد على أن هيكلة المؤسسات الامنية والعدلية الذي لن يحدث إلا في ظل حكومة مدنية ديمقراطية هو الحل الوحيد لوقف الانتهاكات الممنهجة ضد النساء السودانيات.
سلمى عبدالعزيز
صحيفة السوداني