تحقيقات وتقارير

هل هناك علاقة بين المخدرات والجريمة؟! .. سر الفتاة العارية بشارع النيل!

(86) في المائة من مغتصبي الأطفال كانوا تحت تأثير المخدرات

تجمعات مشبوهة لفتيات بشاطئ النيل الأزرق قبل شروق الشمس

كيف تتعرف الأسر أن أبناءهم يتعاطون مخدر (الآيس)؟

التأثير (الفارماكولوجي) للمخدرات هل هو المسؤول عن ارتكاب المدمن للجريمة؟

تجار المخدرات يستغلون ذوي الاحتياجات الخاصة لترويج المخدرات

**يأتي اليوم العالمي لمكافحة المخدرات وبلادنا والوطن العربي والإسلامي والأفريقي يشهد كثيراً من الجرائم من حيث الكم والنوع .. جرائم ضد الإنسانية والفطرة السليمة أصبحت هاجساً اجتماعياً مخيفاً مهدداً للكثير من الأسر والمجتمعات

في ظل غياب المسؤولية الاجتماعية التي ترهق كل العالم.. وبالرغم من كثرة مراكز علاج الإدمان أصبح الوضع خطيراً يحتاج للكثير من الجهود الرسمية والاجتماعية..من خلال هذا التحقيق الصحفي استطلعنا آراء الخبراء عن علاقة الجريمة وارتباطها بإدمان المخدرات بأنواعها المختلفة**.

الفتاة العارية

شباب وفتيات يأتون يومياً قبل شروق الشمس يتجمعون على شاطئ النيل الأزرق عند نهاية شارع النيل بعد برج الاتصالات..يرتدون ملابس غريبة آخر موضة، أما الفتيات فحدث ولا حرج فمعظمهن يرتدين بناطلين ضيقة، (محزقة) تظهر كل شئ داخلها!..معظمهن يأتين بسيارات خاصة وبعضهن يستقلن ترحال.. سألت واحدة منهن:ماذا تفعلين في هذا المكان النائي في هذا الوقت المبكر من اليوم؟.. رمقتني بنظرة ساخرة وكأنها تسخر من جهلي وسذاجتي، وقالت بعد حين:”نأتي هنا يومياً لنشهد ونتابع شروق الشمس بينما أشعتها تنعكس على مياه النيل”.. قلت لها:هل أنتن من عبدة الشمس كما سمعت؟..أجابت بزهج:”كيف نعبد الشمس، قلت لكي نأتي للتمتع بشروق الشمس ومنظرها الخلاب وهي تعانق النيل؟”..قلت لها: حسب ما سمعته أنكم تأتون لتعاطي المخدر الجديد (المس كرستال) المعروف باسم (الآيس)!!..ذعرت الفتاة الصغيرة من صراحتي معها، ولم تنبس بكلمة بل انصرفت سريعاً متجهة للنيل، فتابعت خطواتها حتى التحقت ببعض صويحباتها وهن، (من نفس الموديل)، وصعدن على متن لنش صغير وكان به عدد قليل من الشباب أدار أحدهم المحرك واختفوا في النيل شرقاً ليشهدوا شروق الشمس كما ادعت تلك الفتاة..قادني فضولي لأسفل الشاطئ ويا هول ما رأيت، عدد كبير من العصي البلاستيكية صغيرة الحجم كتلك التي يستخدمها مدمنو الهيرويون لشم هذا النوع من المخدرات، لكن أحد القاطنين قرب هذا المكان وبعد أن عرضت عليها واحدة منها أوضح أن الشباب من الجنسين يأتون هنا يومياً قبل شروق الشمس ليتعاطوا المخدر الجديد يطلقون عليه على ما أعتقد (الآيس)..بل حكى لي:”ذات يوم كنت أجلس أمام المكان الذي أحرسه في الصباح الباكر فتوقفت عربة فارهة نزلت منها فتاة عارية تماماً كما ولدتها أمها وكانت تترنح وفي حالة هذيان وخمول، ترجلت من السيارة بهذا المشهد الصادم وهي فتاة صغيرة في ريعان شبابها للأسف، كانت الفتاة (مسطولة) ومخدرة بفعل الآيس..وكانت تتوجه ناحية النيل تريد النزول للبحر، لكن بعض الحاضرين لهذا المشهد الفاضح لحقوا بها وستروها بملابسهم وأعادوها لسيارتها لتغط في نوم عميق لم تصحو منه إلا بعد شروق الشمس وأخذت تتساءل في هيستريا: “ماذا حدث لي؟.. ماذا فعلتم بي؟..فأوضحنا لها أنها نزلت من سيارتها وهي عارية تماماً.. فأخذت تنتحب في هيستريا وغادرت مسرعة بسيارتها!!.. هذا نموذج حقيقي لما يمكن أن يفعله مخدر (الآيس) بمن يتعاطاه خاصة الذين يفرطون فيه كما حدث مع الفتاة العارية.

مخدر الآيس

استشاري الطب النفسي وأستاذ الصحة النفسية يقول:”هناك المئات من الشباب والشابات في المراكز والمستشفيات الحكومية غير الحالات المسكوت عنها ولا يتم عرضها خوفاً من الملاحقات القانونية والفضيحة، جميعهم من ضحايا المخدر الخطير الجديد المعروف باسم (الآيس)، وهو عبارة عن بلورات في شكل كريستال يمكن إدمانه من أول جرعة، ويتم تعاطيه بعدة طرق، عن طريق الحقن بالوريد، أو تدخينة بالشيشة أو السجائر العادية، أو بالشم، وأعراض التعاطي تتمثل في القلق وخفقان سريع للقلب..وهناك آثار واضحة تظهر على المتعاطي، منها التهاب الكبد، وألم مفاصل، وهالات سوداء، وهلاويس.. وكل ما يحدث من الجرائم والنهب والانحلال الأخلاقي وأحياناً الانتحار له علاقة بهذا المخدر الخطير السريع الإدمان.. ولابد من الأسر مراقبة الأبناء، والاعتراف بالمشكلة وبدء العلاج والتأهيل السلوكي مع الأطباء المختصين في معالجة الإدمان”.

رئيس الهيئة العربية لمكافحة المخدرات بلبنان يرى أن معظم الجرائم التي حدثت بالوطن العربي لها علاقة بالإدمان، ومنها جرائم القتل العمد خصوصاً بمصر والأردن ولبنان، ومع الأسف كل العالم العربي أصبح به مثل هذه الحالات.. وعلى الأسر عدم التستر على أبنائهم المدمنين للآيس وغيره من أنواع المخدرات الأخرى، وضرورة عرضهم لمراكز علاج الإدمان لإعادة تأهيلهم وإعادة النمط السلوكي لديهم بصورة علمية صحيحة”.

استغلال المعاقين

الصحفي والإعلامي، (عمر الكباشي) يقول: “الجريمة والإدمان موضوع في غاية الأهمية فهناك رباط بينهم يحتاج إلى مسؤولية اجتماعية ورسمية إلى حد كبير، فكثير من الجرائم تحدث تحت تأثير المخدرات، كما يرتكب المدمن الجرائم من أجل المال للحصول على المخدرات، وأحياناً يكون نتيجه رواسب نفسية.. والأسوأ أن تجار المخدرات والمروجين أحياناً يستغلوا المعاقين وذوي الاحتياجات الخاصة للترويج خوفاً على أنفسهم من الملاحقات الشرطية، للأسف هذه الحالات كثيرة ويجب السيطرة عليها قبل أن تتحول إلى ظاهرة!!.. ولذلك لا بد من تفعيل الرقابة من المجتمع والحي واللجان الشعبية والشرطة، والتأكد من الأشخاص المدمنين وعزلهم بمراكز العلاج التأهيلية.

التأثير الفارماكولوجي

الخبير الاجتماعي بعلاج الإدمان بروف (زين العابدين محمد علي رجب)، جامعة حلوان بمصر يرى:

“القضية الساخنة التي تدور في محاولة الجمع بين تعاطي المخدرات وارتكاب الجرائم قائمة ولا يوجد رأي قاطع في هذا الشأن ويعود ذلك لسببين:

الأول: أن العوامل التي تؤدي إلى التعاطي كثيرة ومتفرعة ومتنوعة، كما أن العوامل التي تؤدي إلى ارتكاب الجرائم متعددة ومختلفة ومتداخلة ومحاورها كثيرة ومن ثم يمكن القول إن العلاقة بين تعاطي المخدرات وارتكاب الجرائم موضوع معقد، ومن ثم القضية أو المسألة معقدة ومتعددة الأبعاد، إلا أنه في ضوء ما أسفرت عنه البحوث الاجتماعية والنفسية عن هذه العلاقة، تبين وجود ارتباط إيجابي منتظم بين التعاطي والجريمة.. وهناك أسئلة تدور حول ذلك، منها:هل المخدر هو السبب في ارتكاب الجريمة بحكم ما له من تأثير فارماكولوجي؟.. أم أن الجريمة ومحاولة ارتكابها تعد دافعاً حقيقياً لتعاطي المخدرات حتي يتمكن الجاني من ارتكابه؟

جرائم فظيعة

نقرأ بشكل معتاد في المواقع أخباراً فظيعة مسرحها بعض الدول العربية عن زوج يقتل زوجته خنقاً بسبب إدمانه المخدرات، وآخر تخلص من أمه وجدته بمساعدة صديقه المدمن، وربة منزل تقتل زوجها وتحرق جثته بسبب إدمانه للمخدرات، وسائق يغتصب طفلته التي لم تتعدَّ بعد الثلاث سنوات تحت تأثير المخدر!!.. جرائم غريبة والحمد لله لم تظهر مثلها لدينا في السودان سوى في حالات نادرة للغاية.

يؤكد علماء الصحة النفسية وعلاج الإدمان، أن هناك علاقة وارتباط وثيق جداً بين المخدرات والجرائم يجعلهما وجهين لعملة واحدة، خاصة الجرائم التي تحدث داخل الأسرة الواحدة، وهو ما أكدته دراسة لصندوق مكافحة وعلاج الإدمان في مصر عن علاقة المخدرات بالجرائم.

وهناك دراسة أجريت على نزلاء مؤسسة عقابية بإحدى الدول العربية، توصلت نتائجها إلى الارتباط الوثيق بين تعاطي مخدر الحشيش وجرائم بعينها، حيث تشير النتائج إلى أن (86) في المائة من مرتكبي جرائم الاغتصاب كانوا يتعاطون مخدر الحشيش، وأن (58) في المائة من مرتكبي جرائم هتك العرض فعلوا فعلتهم النكراء هذه تحت تأثير المخدرات خاصة الحشيش.. و(23) في المائة من مرتكبي جرائم القتل العمد كانوا يتعاطون مخدر الحشيش.. و(24.3) في المائة من مرتكبي جرائم السرقة بالإكراه كانوا تحت تأثير مخدر الحشيش.

كما أشارت نتائج الدراسة إلى أن (56.7) من مرتكبي الجرائم المختلفة الأخرى كانوا يتعاطون المخدرات قبل ارتكابهم للجريمة بساعات.. كما تشير الإحصاءات الرسمية أن (87) في المائة من الجرائم غير المبررة يأتي تعاطي المواد المخدرة كمحرك أساسي لها.

وهذا لا يحدث في الدول العربية فحسب بل في كل دول العالم، فجرائم المخدرات في عام 2002م كانت تمثل على سبيل المثال حوالي (55) في المائة من جميع النزلاء في السجون الفيدرالية بالولايات المتحدة الأمريكية، وتشير الدراسة التي أجريت في الولايات المتحدة الأمريكية عام 2007م إلى أن العقاقير المخدرة لها علاقة بالعديد من الجرائم وكانت العامل الرئيسي الذي ترتب عليه وقوع حوالي (35) في المائة من جرائم الانتحار، و(62) في المائة من جرائم الاعتداءات، و(69) في المائة من حوادث الغرق، و(58) في المائة من جرائم القتل الخطأ، و(50) في المائة من حوادث السيارات، و(52) في المائة من جرائم الاغتصاب، و (38) في المائة من جرائم العنف ضد الأطفال، و(49) في المائة من جرائم القتل، و(50) في المائة من جرائم العنف بين الأزواج.

لقد بات التأثير السلبي للمخدر مهماً لكونه يطال كافة نواحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية وغيرها، فبعض هذه الأضرار تؤدي إلى تدهور في حالة الدولة اجتماعياً واقتصادياً، وجزء آخر منها يتركز حول صحة وسلامة الفرد وأدائه لواجباته ووظائفه الاعتيادية.. ويتناسى كثير من الناس نوعاً آخر من أنواع الأخطار التي تحدق بأي مجتمع تتغلغل فيه هذه الآفة الخطيرة، وهذا الخطر ينصب حول أثر المخدرات على نسب ارتكاب الجريمة بشكل عام، ويأتي هذا الخطر من خلال أمرين:

الأول: حالة فقدان التركيز لدى المدمن وفقدان الوعي والإدراك ومن ثم حدوث حالة الوهم والخيال واللامبالاة والتي قد تكون كافية لارتكاب أبشع وأفظع الجرائم، وقد تطال هذه الجرائم أقرب الناس للمتعاطي كأن تكون الضحية زوجته، أو ابنته، أو ابنه، أو والده، أو والدته.

الثاني: سعي المتعاطي دوماً للحصول على الجرعة بأي ثمن كان وهذا يعني أنه مستعد لاقتراف أي عمل في سبيل تأمين ثمن تلك الجرعة، وقطعاً إذا كان هذا المتعاطي من ذوي الدخل المحدود وليست لديه القدرة المادية على دفع ثمن جرعاته بنفسه، فإنه بلا شك لن يتردد في ارتكاب الجرائم التي تؤمن له تلك المبالغ، وتبدأ هذه الجرائم عادة بسرقة محتويات المنزل، وتستمر في التوسع إلى أن تصل إلى جرائم أبشع وأقوى.

ولذلك يجب الإسراع بالاهتمام بالعمل على علاج مدمني المخدرات حتى لا يتسببوا في العديد من الجرائم والمشكلات الاجتماعية المعقدة.. ولذلك فمن الضروري المبادرة بسرعة علاج مدمن المخدرات داخل المراكز المتخصصة، حتى نمنع حدوث العديد من الجرائم والسلوك الإجرامي وأن ندفع بأسرهم العمل وبقوة في تشجيعه وتحفيزه على العلاج لإنقاذه من هذا الخطر الذي من الممكن أن يعرضه للسجن أو الإعدام.. والأهم من ذلك حتى نقي الأسرة والمجتمع وكذلك الأفراد الآخرين من الوقوع في دائرة إدمانهم ومن ثم دائرة جرائمهم.

ويرى مراقبون أنه لابد من وقفة حقيقية من قبل الجهات ذات الصلة حتى لا يحدث تبرير لكل من يرتكب جريمة باسم الإدمان، ويجب على الأسر مراقبة أبنائها والاعتراف بالمشكلة، والمسؤولية في النهاية مجتمعية ورسمية للحد من انتشار هذه السموم.

المحررة

نلفت انتباه الجهات الأمنية المختصة المسؤولة من حماية عقول شبابنا من المخدرات، للرواكيب المنتشرة بالأسواق، وبعض الأجنبيات من بائعات الشاي بشارع النيل بالخرطوم وبعض الميادين والساحات بالأحياء، لأن ما يدور حولها مزعج، فبعضها تحول لترويج المخدرات وسط الشباب.. بجانب عصابات المخدرات التي تغري الشباب من الجنسين بالتعاطي وبعد إدمانهم يستغلونهم في ترويج المخدرات.

تحقيق ـ أفكار جبريل
صحيفة الحراك السياسي