بيان “حميدتي” .. نقوش على أبواب الخروج الاضطراري !!
بُعيد مليونية 30 يونيو التي خرجت فيها حشود جماهيرية كبيرة تُطالب بالحكم المدني وإخراج المؤسسة العسكرية من الحكم، وفي الرابع من يوليو الجاري تحديداً، كان قائد الجيش السوداني ورئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان قد أعلن عدم مشاركة المؤسسة العسكرية في الحوار الوطني في مسعى لحل الأزمة السياسية في البلاد وإفساح المجال لتشكيل حكومة مدنية. وكان البرهان قال في تصريحات بثّها التلفزيون الرسمي إنه تقرر عدم مشاركة المؤسسة العسكرية في المفاوضات الجارية حاليا (الحوار الوطني) لإفساح المجال للقوى السياسية والثورية، وتشكيل حكومة من الكفاءات الوطنية المستقلة تتولى إكمال (متطلبات) الفترة الانتقالية. ولم تُحظى تصريحات البرهان بأية تجاوب من قبل قوى الثورة التي تُطالب بإسقاط الانقلاب ومحاكمة منفذيه، وعلى الرغم من الجدل الكثيف التي أثارته تصريحات البرهان، واعتبرها كثيرون بمثابة تنازلات كبيرة من قبل المؤسسة العسكرية، إلا أن الغالبية العظمى اعتبرتها مجرد تكتيكات ومناورات من البرهان لإطالة أمد الانقلاب ، بل والاستعاضة عنه بما سماه مجلس الأمن والدفاع حتى لا تكون للحكومة المدنية أية صلاحيات في إدارة الدولة بعيداً عن حاكمية المكون العسكري الفعلية.
ابتعاد حميدتي
في تلك الأيام العصيبة التي مرت بها الحركة الجماهيرية المقاومة للانقلاب قبل وأثناء وبعد 30 يونيو، كان قائد قوات الدعم السريع، ونائب رئيس مجلس السيادة، محمد حمدان حميدتي، متواجداً في غرب دارفور يقوم بمهام أخرى تتعلق بالمصالحات بين القبائل المتشاكسة هناك، ويقف بنفسه في تعزيز فرص السلام في عدد من ولايات دارفور بعدما ارتفعت فيها مؤخراً الصدامات القبلية المُسلحة وأضحت دارفور في كثير من مدنها مسرحاً للانفلات الأمني والحرب الأهلية. وذهب كثير من المحللين والمراقبين لتفسير مكوث حميدتي في دارفور على أنه ينم عن حالة عدم اتفاق بين مكونات المنظومة العسكرية الأمنية، وأن حميدتي أراد الابتعاد قليلاً عن المسرح الخرطومي الذي يشهد حراكاً ثورياً متواصلاً لم تفلح كل الجهود وكل الأساليب في إيقافه أو تشتيته. وبعد أن خرج البرهان في الرابع من يوليو بخطابه الشهير والذي قرر فيه ابتعاد المؤسسة العسكرية عن الحوار لإفساح المجال أمام القوى السياسية المدنية حتى تتوافق مع بعضها في تشكيل الحكومة الانتقالية، كانت كل الأنظار تتجه صوب قائد الدعم السريع لمعرفة رأيه حول قرارات البرهان، خصوصاً وأن قوات الدعم السريع تبدو وكأنها هي المستفيد الأكبر من بقاء أوضاع السودان كما هي عليه الآن حتى لا تتأثر بأية قرارات جديدة تُعيد هيكلة الجيوش المتعددة في السودان وتعيد دمجها في جيش واحد مهني وقومي. وعُرف قائد قوات الدعم السريع بنفوذه المتمدد اقتصادياً في السودان، فضلاً عن تمتعه بعلاقات وطيدة مع دول المحور الخليجي، هذا بجانب أن قواته تعتبر هي القوات العسكرية الأكثر عدداً وعتاداً، إن لم تتفوق على الجيش السوداني، فهي بأية حال لا تقل قوة وتسليحاً عنه. وعلى الرغم من أن قوات الدعم السريع شكلت معادلة أمنية مهمة في الإطاحة بنظام البشير، إلا أن قوات الدعم السريع ظلت هي المتهم الأول في جريمة فض اعتصام القيادة العامة، ومما جعل الثوار هم الأكثر عداء لقوات الدعم السريع وقائدها ويعتبرونه هو من فض اعتصام القيادة وهو من قام بهندسة انقلاب البرهان على الحكومة الانتقالية في 25 أكتوبر الماضي. وأجمع مراقبون على أن حميدتي لم يكن على اتفاق تام مع البرهان الذي ظهر وكأنه على توافق تام مع عناصر النظام البائد ولا ينتابه أدنى خوف أو تردد من ذلك، لكن هؤلاء المراقبون نفسهم عندما يتفحصون مواقف حميدتي المعلنة لا يجدون شيئاً يسند رؤيتهم، فقد ظل حميدتي يمارس صمتاً مُحكماً في الأوقات الصعبة ولا يفضل الظهور أثناء وجود أية بوادر لخلاف بينه وبين البرهان.
بيان حميدتي
أعقاب بيان البرهان الداعي القوى المدنية السياسية لوفاق وحوار لأجل تشكيل الحكومة الانتقالية، شهدت الساحة السياسية نشاطاً سياسياً كبيراً، حيث بدأت لجان المقاومة في التحرك من جديد للشارع، وأثمرت جهود بعض اللجان عن تشكيل تنسيقيات مشتركة مع عدد من مكونات قوى الثورة، ومما يشير إلى أن آلية وحدة قوى الثورة بدأت تتخذ خطوات عملية وتظهر للوجود، وهي ذات الخطوة التي ظل يستثمر فيها الانقلابيين بحسبان أن قوى الثورة أصبحت شتاتاً ومن الاستحالة جمعها تحت مظلة واحدة بعد فشل تجربة تحالف الحرية والتغيير. وعلى صعيد آخر، تجلت ظواهر الانفلات الأمني لدرجة مخيفة، خصوصاً بعد تفجر الصراع الأهلي الجهوي في ولاية النيل الأزرق، الأمر الذي أربك حسابات جميع الأطراف الفاعلة في المشهد الانتقالي، وباتت المحاذير من انزلاق البلاد في حرب أهلية شاملة هي العنوان الأبرز في كل الخطابات السياسية، وفي غضون ذلك وصفت قوى الثورة الأحداث التي شهدتها ولاية النيل الأزرق وعدد من المناطق الأخرى، بأنها أسباب مباشرة لانقلاب 25 أكتوبر، وأن الأحداث ينبغي أن تُنبه قوى الثورة بأنه لا سبيل لنجاة البلاد من الدمار الشامل إلا بإسقاط هذا الانقلاب. وفي الأثناء ظهر مرة أخرى نائب رئيس مجلس السيادة ، محمد حمدان دقلو، مساء يوم الجمعة وقال إن المجلس قرر ترك الحكم للمدنيين. وأضاف حميدتي في بيان نشرته وكالة الأنباء السودانية قررنا إتاحة الفرصة لقوى الثورة والقوى السياسية الوطنية أن يتحاوروا ويتوافقوا دون تدخل منا في المؤسسة العسكرية، وقررنا بصورة صادقة أن نترك أمر الحكم للمدنيين وأن تتفرغ القوات النظامية لأداء مهامها الوطنية المنصوص عليها في الدستور والقانون. وأكد أن مجلس السيادة لن يتمسك بسلطة تؤدي لإراقة الدماء وزعزعة الاستقرار، لافتاً إلى أن انتشار الصراعات القبلية والكراهية والعنصرية ستقود السودان للانهيار. وتابع دقلو نراقب مخططات تتربص بالسودان وندعو للتكاتف للتصدي للمخاطر التي تواجه البلاد، معلناً التعهد بالالتزام بإصلاح المنظومة العسكرية والأمنية السودانية وتنفيذ اتفاق جوبا. ودعا القوى الوطنية والسياسية للإسراع بتشكيل مؤسسات الحكم الانتقالي، مجدداً الالتزام بحماية المرحلة الانتقالية وإجراء انتخابات حرة ونزيهة، مضيفاً أنه سيبذل قصارى جهده لتذليل أي صعاب قد تواجههم في سبيل الوصول لما يخرج بلادنا لبر الأمان. وأشار حميدتي إلى أنه أمضى الأسابيع الماضية في دارفور وأنه سيعود إليها مرة أخرى لمواصلة ما بدأه هناك وتنفيذ اتفاق السلام واستكماله. مراقبون وصفوا خطاب حميدتي بأنه تأكيد آخر على رغبة خروج المؤسسة العسكرية بأقل الخسائر قبل فوات الأوان بعدما أضحت الأجواء ملائمة لغضب شعبي واسع قد ينهار السودان بموجبه كاملاً.
كواليس
حميدتي.. هل أعاد قراءة خطاب “السيسي” في قمة جدة ؟
رحبت الجبهة الثورية ببيان نائب رئيس مجلس السيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو واعتبرته خطوة متقدمة لحل الأزمة السياسية ، ودعت في تصريح صحفي أمس على لسان الناطق الرسمي باسم الجبهة الثورية أسامة سعيد القوى السياسية لتدبر المعاني المفتاحية الواردة في البيان، والجبهة الثورية تعتبر أن ما ورد في هذا البيان يفتح الطريق و يحدث اختراق لحالة الجمود الراهنة ، كما تؤكد الجبهة الثورية علي بذل كل جهودها و العمل مع الجميع من اجل جمع الفرقاء علي طاولة الحوار الوطني لإنتاج مقاربة سياسية شاملة تنقل البلاد إلي مرحلة البناء و الاستقرار، خصوصاً في النقطة التي تحدث فيها حميدتي عن إصلاح المنظومة العسكرية و الأمنية وصولا لجيش مهني واحد يعكس تنوع السودان و الالتزام بتنفيذ اتفاق جوبا لسلام السودان و استكمال السلام. ويرى مراقبون بأن حميدتي لم يبتعد كثيراً عن أهم المرتكزات التي أشار إليها بصورة عامة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في قمة جدة مؤخراً بحضور الرئيس الأمريكي جو بايدن، ووقتها كتب كثير من المراقبين بأن السيسي عندما انتقد وجود ظاهرة المليشيات واستمرار دعمها من عدد من الدول الشقيقة والصديقة كان يعني قوات الدعم السريع، خصوصاً وأن السيسي ظل يرهن استقرار المنطقة العربية بقيام جيوش وطنية راسخة تحمي الدستور والاستقرار، وحينها وصف محللون خطاب السيسي بأنه تعمد إحراج المملكة العربية السعودية أمام الولايات المتحدة بدعمها بطريقة غير مباشرة لـ”حميدتي” وعلى حساب قيام جيش سوداني واحد مهني وقومي، وهو ذات الأمر الذي وجد قبولاً وترحيباً من لدن الولايات المتحدة، ولهذا يرى مراقبون بأن حميدتي أراد أن يُزيل الحرج من السعودية بأنه ليست ضد دمج قواته في جيش واحد مهني ، لكنه يريد أن يكون ذلك عبر ضمانات سياسية أخرى كثيرة لم يذكرها، لكنه أشار إلى عملية سلام جوبا بأنها الضامن الوحيد لتنفيذ إصلاح المنظومة العسكرية الأمنية حتى لا يتم اختطاف الجيش من قوى المركز عبر قواه السياسية، أو حتى لا تصبح قيادة الجيش حكراً على تنظيم الإخوان المسلمين بصورة أو بأخرى.
همهمة الشارع
زيادات في أسعار الوقود.. بينما الشارع ينشغل بمعارك البقاء !!
قالت وزارة الطاقة والنفط السودانية في بيان، إن أسعار البنزين في السودان ارتفعت أمس السبت بواقع 90 جنيها سودانيا للتر لتصل إلى 760 جنيها (1.34 دولار) للتر، كما ارتفعت أسعار السولار 108 جنيهات إلى 748 جنيها للتر. وقالت الوزارة في بيان جاءت أسعار المحروقات (بعد) المراجعة التي تجريها الوزارة مع شركات الاستيراد الحر والخاص في ظل التغيرات التي تطرأ في السوق العالمي للمحروقات. بيان وزارة الطاقة لم يجد تفاعلاً من قبل الجمهور السوداني رغم مؤشرات الغلاء الطاحن، ولأنه مجالس السودانيين تفرغت تماماً للحديث عن جدوى البقاء في وطن ينهار تدريجياً على رؤوس المواطنين دون أن تعلم الحكومة ما دورها وما الذي ينبغي أن تقوم به !!.
سؤال الملف
هل تنجح قوى التغيير الجذري في إقناع الكتلة الثورية الحية في السير في طريق ثورة شاملة وغير (مُمرحلة) ؟
همس الكاميرا
“غيمة” تهطل ألواحاً مقدسة على أرواح الشهداء !!
عبدالناصر الحاج
صحيفة الجريدة