الجمود يجثم على الحياة السياسية في السودان فهل من سبيل للحل؟
ما زالت الأزمة السياسية في السودان التي تفجرت بسبب الإجراءات الانقلابية التي اتخذها قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان في 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021، تتسيد حديث الشارع نظراً إلى تأثيرها البالغ على حياة الناس المعيشية والاقتصادية بعد توقف المساعدات الخارجية التي كانت تشكل عاملاً مهماً في دفع عجلة الاقتصاد السوداني إلى الأمام، فضلاً عن انتشار حالة التفلت الأمني بصورة واضحة في معظم مدن البلاد ومناطقها من دون استثناء، إضافة إلى تواصل التظاهرات التي قوبلت بعنف مفرط من قبل الأجهزة الأمنية راح ضحيته 115 قتيلاً منذ حدوث الانقلاب.
ولم تلوح حتى الآن في الأفق بوادر لإنهاء هذه الأزمة المستعصية، فيما أعلن المكون العسكري عن انسحابه من الحوار الذي تقوده الآلية الثلاثية (الأمم المتحدة، والاتحاد الأفريقي، ومنظمة الإيغاد)، لافساح المجال أمام القوى السياسية للتوافق على تشكيل حكومة مدنية، فما الآلية التي يمكن من خلالها إنقاذ السودان من حالة الجمود التي تعتري المشهد السياسي، وصولاً إلى حل يرضي جميع الأطراف؟
جبهة عريضة
يقول القيادي في “قوى الحرية والتغيير”، طارق عبد القادر، “يمر الآن الراهن السياسي السوداني بتعقيدات كثيرة جداً، وأعتقد أن سببها المباشر هو انقلاب 25 أكتوبر وما تبعه من قرارات أبرزها تعطيل العمل بالوثيقة الدستورية التي تمثل الدستور الذي يحكم البلاد، فضلاً عن تعطيل الشراكة مع المكون المدني، وأرى أن تجاوز هذه الأزمة يكون بموجب شرطين أساسيين هما ضرورة توحيد كل قوى الثورة بما فيها لجان المقاومة وجميع الأحزاب والتنظيمات السياسية والمهنية في كتلة واحدة أي تشكيل جبهة عريضة لا تستثني أحداً من الأجسم المدنية المؤمنة بالديمقراطية، والاتفاق على مشروع وطني يقود إلى استكمال الفترة الانتقالية التي تعطلت بسبب الانقلاب”. وأضاف عبد القادر، “من المؤكد أن توحيد القوى المدنية بكامل مكوناتها الثورية الفاعلة سيقود إلى إسقاط النظام العسكري، وهذا التوجه تسعى إليه حالياً كل الكتل السياسية والثورية والمهنية ونأمل أن يتحقق ذلك في القريب العاجل حتى تخرج بلادنا من هذه الحالة المتردية، وفي الوقت نفسه أعد المجلس المركزي في قوى الحرية والتغيير إعلاناً سياسياً هو بمثابة ترتيبات دستورية جديدة سيتم عرضه على مختلف الأحزاب السياسية والأجسام المهنية ومنظمات المجتمع المدني ولجان المقاومة لدراسته وإبداء الرأي، وذلك من أجل إحداث اتفاق شامل، مما يؤدي إلى تنفيذ متطلبات المرحلة المقبلة”.
ورأى أن “ما جاء على لسان القيادة العسكرية بالانسحاب من الحوار والعودة إلى الثكنات، هو تراجع تكتيكي وننظر إليه بنوع من الحذر على الرغم من وجود بعض الإيجابيات مثل الاعتراف بالتحول المدني الديمقراطي وإيجاد جيش مهني واحد، لكن لا بد أن يفهم الجميع بأننا كسياسيين ليس لدينا صراع أو مشكلة مع العسكريين، وأن رؤيتنا لحل هذه الأزمة من خلال إقامة سلطة مدنية ديمقراطية حديثة تتطلب خروج المنظومة العسكرية بأكملها، سواء الجيش أو الدعم السريع من العملية السياسية”.
وبين القيادي في “قوى الحرية والتغيير”، أنهم ليسوا بصدد تشكيل أي حكومة مدنية حالياً، إذ إن همهم الأساسي هو “توحيد قوى الثورة”، مؤكداً أن “قوى الحرية والتغيير لم تكن خلال الفترة الماضية بعيدة عن حراك الشارع، بل هناك تواصل حقيقي على الأرض بين مكتبها التنفيذي ولجان المقاومة وطرحت خلالها آراء جيدة”.
هشاشة أمنية
في السياق، عبر أستاذ العلوم السياسية في جامعة أفريقيا العالمية في الخرطوم، محمد خليفة صديق، عن اعتقاده أن “السودان في وضع بالغ التعقيد، ولا بد من التوصل إلى حل سياسي يزيل المخاوف وحالة الجمود المسيطرة على الأجواء، فهذا الوضع يضر بالبلاد في ظل السيولة والهشاشة الأمنية في كل أقاليم السودان ومناطقه، فضلاً عن الصراعات الإثنية داخل المجتمع السوداني والتي كان آخرها أحداث النيل الأزرق التي راح ضحيتها أكثر من 100 شخص، وجميعها مؤشرات تؤكد أنه إذا لم يتوصل السودانيون إلى توافق سياسي يؤدي إلى إنهاء الأزمة السياسية التي اندلعت مع انقلاب 25 أكتوبر، فإن الأوضاع ستنفجر نحو الأسوأ”.
الأمن السوداني يفض تظاهرات لأبناء “الهوسا” بعد اشتباكات قبلية
وتابع صديق، “الآن المؤسسة العسكرية رمت القفاز في يد القوى المدنية، وأعلنت أنها ستكون بعيدة عن أي عمل سياسي، وستعود إلى ثكناتها، كما أن المجتمع الدولي ممثلاً بالآلية الثلاثية، فضلاً عن الاشارات التي وردت من خارج الحدود وما تلاها من بيان قمة الرياض بحضور الرئيس الأميركي جو بايدن، كلها تدعو الأطراف السودانية إلى الجلوس إلى مائدة الحوار لإنهاء حالة الضياع والاحتقان واللامبالاة في النادي السياسي من أجل الحفاظ على استقرار وأمن البلاد والمنطقة على وجه العموم، فهي دعوات للدفع نحو العملية السياسية وليس للتدخل المباشر”.
ومضى قائلاً، “في تقديري أن القوى السياسية إذا تخلت عن طموحاتها وأجندتها وتحلت بالوطنية ستعبر بلادنا إلى بر الأمان، ولن تكون هناك مشكلة في المستقبل القريب أو البعيد، كما لا بد أن تسهم النخب السودانية من مفكرين ومثقفين وأكاديميين وإعلاميين بطرح أفكار عملية للخروج من هذا المأزق، وكذلك يجب أن يكون للعسكريين في مجلس السيادة دور يدعو لأي شكل من أشكال النشاط السياسي المقبول من أجل تحريك البرك الساكنة، لكن أعتقد أن القوى السياسية أصيبت بحالة صدمة بعد إعلان المكون العسكري عبر خطابي قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان (حميدتي)، عدم مشاركته في الحوار السوداني لإفساح المجال أمام المدنيين للتوافق على تشكيل حكومة مدنية”.
ولفت أستاذ العلوم السياسية إلى أن “المطلوب الآن من جميع المعنيين بالمشكلة السودانية من قوى سياسية وميسرين (الآلية الثلاثية) وغيرهم سرعة لملمة أطرافهم للوصول إلى صيغة عملية تحدث اختراقاً حقيقياً ينهي هذه الأزمة التي ألقت بظلالها على مجمل الأوضاع، بخاصة الأمنية والاقتصادية. وفي اعتقادي أن كل الإشارات تعجل بضرورة الخروج من هذا النفق”.
فك الجمود السياسي.jpg
اعتبر مراقبون أن ما جاء على لسان القيادة العسكرية بالانسحاب من الحوار والعودة إلى الثكنات هو تراجع تكتيكي (اندبندنت عربية – حسن حامد)
الصراعات البينية
في المقابل، أشار القيادي في الجبهة الثورية السودانية (تحالف يضم عدداً من الحركات المسلحة الموقعة على اتفاقية جوبا للسلام) حذيفة محيي الدين البلول، إلى أن “المشهد السياسي في السودان به تعقيدات عدة، إذ يواجه المواطن السوداني أوضاعاً بالغة السوء، إضافة إلى التشظي في أطرافه، ما أدى إلى اختلالات أمنية وصراعات قبلية بدأت تطفو للسطح، وذلك نتيجة غياب مؤسسات الدولة عن ممارسة مهامها، ساعد على ذلك أيضاً عدم الاستقرار السياسي بسبب الصراعات بين مكونات المجتمع من قوى سياسية متناحرة لا يجمع بينها أي اتفاق على الحد الأدنى من أجل الحفاظ على مكتسبات ثورة ديسمبر المجيدة”.
ومضى البلول قائلاً، إن “كل هذه الأسباب مرتبطة بشكل أساسي بغياب الحس الوطني وتقديم المصلحة الوطنية على المكاسب الحزبية والشخصية للحفاظ على البلاد من شبح الانهيار، في ظل وجود جيوش متعددة، الأمر الذي يتطلب من النخب السودانية التنبه لخطورة هذا الوضع حتى لا نفتقد الوطن، بالتالي مطلوب من كل المكونات السياسية والمجتمعية وضع المصلحة الوطنية في المقدمة والوصول إلى اتفاق حد أدنى حتى ننقذ السودان من شبح الانقسامات والتشرذم، بخاصة أن المكون العسكري أبدى استعداده للابتعاد عن المشهد السياسي بصورة كاملة ووضع الكرة في ملعب القوى السياسية المدنية للتوافق حول حكومة مدنية كاملة تدير البلاد في هذه المرحلة الحرجة من عمر الانتقال، لذلك لا أرى مبرراً موضوعياً دون اتفاق هذه القوى على الحد الأدنى”. وأضاف، “نحن في تحالف قوى الميثاق الوطني أجرينا في آخر اجتماع تقييماً للمشهد السياسي بكل جوانبه، وقدمنا مبادرة للاتصال بالقوى السياسية الحريصة على الديمقراطية لتدارك المخاطر التي تحيط بالوطن، وشكلت لجنة سياسية تتولى هذه المهمة برئاسة حاكم إقليم دارفور، مني أركو مناوي، وستكون أيادينا بيضاء للوصول إلى اتفاق ينهي حقبة الصراعات البينية بين المكونات المدنية، بالتالي نأمل من كل القوى السياسية التعاطي بإيجابية مع هذه المبادرة، وأن يكون الهم الأساس هو الوطن والابتعاد عن سياسة التخوين والانتقاص من دور الآخرين، لأن مثل هذه الأفعال لا تبني وطناً معافى”.
إسماعيل محمد علي
إندبندنت عربية