جعفر عباس

جعفر عباس يكتب.. عن تفشي النفاق الاجتماعي


تفشت في بلادنا في السنوات الأخيرة ظاهرة شراء الشهادات الجامعية العليا، فصارت عندنا جيوش من الدكاترة والبروفسرات المزورين، أما الماجستير فقد صار أقوى انتشارا من كوفيد 19، وتفشى بموازاة كل ذلك حب المظاهر والتباهي والميول الاستعراضية، ويتجلى ذلك في طقوس ومراسيم الزواج، والميل عند البعض الى افتعال المناسبات التي تتيح الفشخرة، فمولد طفل وختان طفل وشراء سيارة وبناء بيت صار عند كثيرين أمرا يستوجب الاحتفال الجماهيري، ولهذا فلا عجب ان صرنا بلد المليون مطرب ومطربة، بل سمعنا مؤخرا بحفلات الطلاق النسائية، وهناك من يجعل من اكمال المرأة للعدة على الزوج المتوفى مناسبة للفشخرة، وعند تقبل المعزين في فقيد ما يجعل البعض ذلك مناسبة لاستعراض العضلات المادية بتقديم وجبات فندقية (كتبت الصحف عن تلك العائلة البحراوية، التي وعند وفاة الأب ارتدت نساؤها ثيابا موحدة الألوان والتصاميم، وكان الفرش على الطاولات من نفس نوع ولون الثياب، وكان كل ذلك يتغير مع كل وجبة، وجاءت الوجبات من مطعم فاخر، وكان هناك جرسونات في كامل أناقتهم في صيوان العزاء يوزعون الطعام على الموائد)
يبدو أننا أخذنا من العرب حب التفاخر (ونحن أناس لا توسط عندنا لنا/ الصدر دون العالمين او القبر؛ وعن الأفارقة الميل الى الهجيج والضجيج)، وتلمس ذلك أيضا في هوسنا بالألقاب، ففور دخول الطالب كلية الهندسة يصبح باشمهندس (تعني رئيس المهندسين) وطالب الطب دكتور والممرض دكتور والداية دكتورة، هذا غير آلاف الدكاترة في مختلف المجالات، وفي الأوساط العسكرية صار عندنا مثلا عقيد مهندس وعميد حقوقي ولن تجد عقيد جغرافي او عميد محاسبي، لأننا قررنا انه من حق المهندسين والقانونيين فقط الانتساب الى مهنهم: فلان بن فلان المحامي والمهندس فلان بن فلان، ولن تجد فلان بن فلان المدرس، او فلانة بنت فلان الكمبيوترية
شخصيا بي نفور شديد من النفاق الاجتماعي بكافة أشكاله بدرجة أنني لا أخاطب من أعرفهم جيدا من حملة الألقاب الأكاديمية عن استحقاق ب”يا دكتور/ يا بروف”، بل اعتقد ان الود الحقيقي يكون في مخاطبة الآخرين بأسمائهم المجردة (حاف)، وحتى الذين لا أعرفهم اميل الى مخاطبتهم ب”يا ابن/ بنت العم” او يا أستاذ/ أستاذة يا عزيزي/ عزيزتي/ يا سيد فلان/ يا ستي، ولأريح الناس من فبركة الألقاب لي صرت “أبو الجعافر” ولم يحتج أي جعفر حتى الآن على الانتساب الافتراضي لي، ولكن جعافرة النيل الأبيض قالوا لي: هاي نحن من الأشراف وانت نوبي بربري من الأشرار

جعفر عباس