صلاح الدين عووضة يكتب : في ستين!!
ونحذف صفراً..
نحذفه من الرقم ستين – بعنوان كلمتنا هذه اليوم – ثم نُرجعه لمحله لاحقاً..
وذلك من أجل البيان… والتبيين..
فالفيلسوف فولتير كان لديه ست نظريات عن تربية الأبناء قبل الزواج..
وبعد الزواج صار عنده ستة من الأبناء..
ولكنه لم يجد لديه ولا نظرية واحدة تصلح لتربيتهم؛ هكذا يقول ضاحكاً..
أو يحكي عن نفسه ساخراً..
ومَن يحكي عنه هذا نفسه درس الفلسفة وفي رأسه ست نظريات تبريرية..
فوجد أمامه ستين نظرية فلسفية..
ولكنه لم يجد نظرية واحدة تصلح تبريراً لدراسته هذه من بعد التخرُّج..
بل والستون فلسفة هذه لم يفهم منها سوى ست..
وما زال يتساءل إلى اليوم: لماذا لا تنبت نظريات الفلسفة في تربة بلاده؟..
فهل العلة في التربة؟…. أم في العقول؟..
فلربما كانت في التربة المُجتمعية التي تفهم الدين على أنّه مظاهر حركية..
أو محض مظاهر حركية – وصوتية – معاً..
كما في ليالي أذكار المُتصوِّفة؛ وكما في مكبرات الصوت بالمساجد..
ومن قبل حُورب فلاسفة المسلمين..
وقيل لهم: أنتم – وفلسفاتكم هذه – في ستين؛ وعلى رأسهم ابن رشد..
رغم أن فلسفته تُدرس الآن بجامعات الغرب..
أو كما قال علي صالح وهو يخطب في شارع الستين: فاتكم القطار..
ففاتنا قطار التجديد… والتحديث… والتحضر..
وإذا كان هذا حال العرب – والمسلمين كافة – فحالنا في السودان أسوأ..
فقطارنا لم يغادر محطة الاستقلال..
لم يغادرها – إلا قليلاً – منذ أكثر من ستين عاماً..
وشارع الستين هو أحد شوارع ثوراتنا الشعبية؛ ومنها ثورة ديسمبر..
وكعادة ثوراتنا فقد أفرزت ستين فيلسوفاً..
ولكل منهم ست نظريات عن كيفية إدارة شؤون بلادنا؛ سياسياً واقتصادياً..
ثم يُقدر لبعضهم الجلوس على كراسي الحكم..
فيُواجه بست قضايا أساسية؛ من قضايا ضرورات المرحلة الانتقالية..
فلا يجد لديه نظرية واحدة تصلح للتعامل معها..
فيكون مصيرنا الفشل؛ سياسةً… واقتصاداً… ومعيشةً… وصحةً… وتعليماً..
وحتى أخلاقاً كذلك..
ونعني بالفشل الأخلاقي حتى ما لا يحتاج جهداً؛ ولا توافر معينات مادية..
وإنما المبادئ التي نعيب على سابقينا التنكُّر لها..
ومنها الزهد… والتقشف… والشفافية… ونكران الذات… والقدوة الأخلاقية..
وباختصار؛ صحوة الضمير السلطوي..
فنحن نفلح جداً في وضع النظريات الفلسفية؛ ما دمنا في محطة المعارضة..
فإذا ما انتقلنا لمحطة الحكم شابهنا حال فولتير..
فلا نجد نظرية واحدة تصلح لتطوير الحكم… فالاقتصاد… فالبلد برمتها..
فيفوتنا قطار الحضارة؛ وقطارنا واقف..
وحين يثبت فشلنا – وفشل فلسفاتنا – نعمل على إنجاح ذواتنا؛ على الأقل..
وتغلب علينا أنانية عنونها: نفسي… وحزبي..
وننسى بلدنا… ونظرياتنا… وشعاراتنا… وقناعاتنا… ومبادئنا… وشارع الستين..
وما خلا هذا كله لا يهم..
وفي ستين!!.