الطاهر ساتي يكتب.. مُفتي المرحلة..!!
إليكم ………………. الطاهر ساتي
:: قصد أحدهم مفتي الديار، وسأله متوجساً: (يا مولاي، تعثرت قدمي في المطبخ وكنت صائماً، فوقعت على الأرض، وضرب رأسي الثلاجة، فتساقطت منها الأطعمة والعصائر والفواكه على فمي، وابتلعتها من غير قصد، فماذا عليّ أن أفعل؟)، فأفتى له المفتي بالقضاء والكفارة، لأن المحتال أكل وشرب مع سبق الإصرار والترصد.. ولو قصد محتالنا هذا بسؤاله مفتي المرحلة، ربما أفتى له بما معناه: (تقبل الله صيامك، ليس عليك حرج، وهذا رزق ساقه الله إليك)..!!
:: لعلكم تذكرون (زبيدة غيت).. وقصتها – في العام 2021 – تعاقدت المحفظة الزراعية مع شركة زبيدة لاستيراد سماد يكفي حاجة البلاد لمدة عام، بعقد قيمته (200 مليون دولار)، ولم تلتزم الشركة بتوريد السماد في التوقيت المتفق عليه، وأن العقد كان قد تم بلا عطاء ولا مناقصة، رغم قيمته العالية والتي تلزم المحفظة طرح العطاء، ليتنافس المتنافسون.. وكانت اليوم التالي، عبر الأساتذة مزمل أبو القاسم وعادل الباز، نشروا كل التفاصيل..!!
:: وكانت هناك أسئلة مشروعة من شاكلة: هل شركة زبيدة مسجلة في السودان؟، وهل لها سابق خبرة في هذا المجال؟، وكيف فازت بالعطاء؟، وهل هي مستوفية لشروط التعاقد؟، وهل قدَّمت شهادة خلو طرف من الضرائب؟ وصورة من البطاقة الضريبية؟، وإبراء ذمة من الزكاة؟، وشهادة تسجيل القيمة المضافة؟، والمقدرة مالية؟.. فتم القبض علينا والأخ مزمل أبو القاسم بواسطة نيابتي الصحافة والمعلوماتية.. ثم تم حظر النشر في القضية، رغم أنها قضية مال عام، وليس أمن الدولة..!!
:: وامتثالاً لأمر النيابة العامة، لم يتواصل النشر في قضية زبيدة.. وأخيراً، أصدر النائب العام المكلف خليفة أحمد الخليفة قراراً بحفظ ملف التحقيق في القضية، بناءً على توصيات لجنة التحقيق، والتي منها: (اعتبر أن العقد المبرم بين البنك الزراعي وشركة زبيدة تم في ظروف استثنائية واقتصادية بالغة التعقيد مما جعل الطرفان يتنازلان عن التمسك ببعض بنود العقد وتسهيل تنفيذ العقد)، فمن يُبرر تجاوزات العقد هو النائب العام المكلف ولجنته، وليس شاهد الاتهام أمام المحكمة..!!
:: ثم برر النائب العام ولجنته التجاوزات بالنص: (الأوضاع الاقتصادية الماثلة تستدعي أن يتم تجاوز شراء واستيراد مدخلات الإنتاج عن طريق العطاءات، لأن الشركات المحلية تشترط أن يتم الدفع مقدماً وهذا ما لا تستطيعه الدولة حالياً)، فالمتحدث الذي يبرر عدم طرح العطاء هو النائب العام ولجنته، وليس وزير المالية أو محامي المتهمين أمام المحكمة.. ثم تأملوا ما يلي: (ينبغي أن يكون الحل بينهما ودياً أو اللجوء للتحكيم وفقاً لشروط العقد ويفضل أن يتم الحل ودياً)، فمن يطالب بالجودية – في قضية مال عام – هو النائب العام ولجنته، وليس ناظر قبيلة..!!
:: والأدهى والأمر، دعم تقرير النائب العام ولجنته حظر النشر في القضية بالنص: (ضرورة إشاعة ثقافة عدم النشر في أمور تؤدي إلى إلحاق الضرر بالبلاد والعباد)، فالداعي لحظر النشر في قضية ذات صلة بالمال العام – وليست قضية أمن دولة – هو النائب العام ولجنته، وليس قاضي محكمة أو مدير جهاز الأمن والمخابرات في حكومة البشير.. وهكذا تم طي الملف كما أراد مفتي المرحلة: (تقبل الواقع فسادكم أبطال زبيدة، وليس عليكم حرج، وهذا رزق اعتمدناه لكم)..!!
صحيفة اليوم التالي