تحقيقات وتقارير

هل تؤثر صراعات دارفور على العلاقات السودانية التشادية؟

لسنوات طويلة ظل إقليم دارفور البالغ مساحته 525 ألف كيلو متر مربع ويسكنه 10 ملايين نسمة، مسرح صراعات كانت بداياتها بين القبائل على النفوذ والموارد، لكنها أخذت تتطور مع الوقت وتتخذ أنماطاً مختلفة، منها ما هو متعلق بعوامل إقليمية مثل الاضطرابات والصراعات في دول الجوار خاصة تشاد وليبيا، فضلاً عن الظروف والمتغيرات البيئية مثل الجفاف والتصحر، ووصولاً إلى النزاعات ذات الطابع الإثني والسياسي.

لكن خلال الآونة الأخيرة شهدت المناطق المتاخمة للحدود مع تشاد نزاعات متواصلة أدت إلى حرق قرى وأعمال عنف ونهب للمواشي راح ضحيتها العشرات وفر آلاف المواطنين إلى معسكرات اللجوء في تشاد، بيد أن حادثة مقتل 18 سودانياً بواسطة جماعات تشادية مسلحة في المنطقة الحدودية بولاية غرب دارفور خلال الأيام الماضية أججت التوتر بين الدولتين، ونقل وزير الخارجية السوداني المكلف علي الصادق إلى السفير التشادي في السودان احتجاج بلاده وإدانته هذه الحادثة، مطالباً بضرورة بذل الجهود في سبيل القبض على الهاربين ورد المسروقات إلى أصحابها بالسرعة المطلوبة.

فما مآلات وتأثير هذه النزاعات المتواصلة التي تدور داخل المناطق الحدودية وتحديداً بولاية غرب دارفور في مستقبل العلاقات السودانية -التشادية؟

نهب وسلب

يقول والي ولاية جنوب دارفور السابق موسى مهدي إن “العلاقات بين السودان وتشاد أزلية منذ قدم التاريخ، وتجمعهما قبائل مشتركة وعادات وتقاليد وإرث واحد فضلاً عن النسب والمصاهرة، وهو أمر يتطلب المحافظة عليه مهما حدث من توترات وانتهاكات متكررة من قبل مجموعات تشادية داخل الأراضي السودانية، وتحديداً في ولاية غرب دارفور، لأنها في الغالب عبارة عن انفلاتات من أشخاص لا ينتمون إلى أجهزة الدولة الرسمية، لكن من المهم وضع الضوابط اللازمة للحد من هذه الانتهاكات والجرائم التي تعكر صفو العلاقات المشتركة بين البلدين، كما يجب أن تؤدي القوات المشتركة التي شكلت أخيراً دورها في حماية الحدود ومنع تسرب المجرمين بين الدولتين”.

وأضاف مهدي، “ما يحدث في دارفور من نزاعات متواصلة لا يعتبر صراعاً سياسياً أو قبلياً، بل هو عمليات نهب وسلب للمواشي من أبقار وجمال من قبل مجموعات مسلحة، وعندما يستنفر أصحاب هذه المواشي أعداداً من القبيلة للبحث عنها تحدث معارك مع تلك المجموعات المسلحة ويقع عدد من الضحايا وتتفجر الأوضاع من جديد، وبشكل عام فإن إقليم دارفور يعاني غياب سلطة الدولة وهيبتها وعدم تطبيق القانون وانعدام العقيدة الشرطية والعسكرية”.

وبيّن والي ولاية جنوب دارفور السابق أن “القوات النظامية الموجودة في مناطق النزاعات من قرى وغيرها ذات صفة مناطقية وقبلية، إضافة إلى ضعف جانب التدريب والتأهيل بين أفرادها، لذلك سرعان ما ينحازون إلى أهليهم حينما يقع النزاع”، منوهاً بأن قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة (يوناميد) التي غادرت دارفور لانتهاء مهمتها نهاية 2020 لم تترك فراغاً، لأنها لم تكن قادرة على حماية سكان الإقليم طوال فترة وجودها نظراً إلى أن صلاحياتها كانت محدودة، فضلاً عن أنها لا تريد الدخول في مواجهات مع مواطني الإقليم.

نزاع اقتصادي

من جهته، يقول الكاتب السوداني عبدالله آدم خاطر إن “الأحداث التي وقعت في ولاية غرب دارفور أخيراً تقع ضمن النزاعات الداخلية المسلحة في بقية ولايات دارفور ومن أجلها جرى التفاوض حول إمكان تحقيق السلام في كل من أبوجا والدوحة خلال عهد الرئيس المعزول عمر البشير، ومن ثم جوبا التي شهدت توقيع اتفاق سلام بين الحكومة السودانية والحركات المسلحة في أكتوبر (تشرين الأول) 2020، وعلى ضوء هذا الاتفاق أصبحت دارفور تحكم بواسطة مجموعات تتكون من الدعم السريع والتحالف السوداني الذي يمثله والي غرب دارفور وحركة تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي حاكم إقليم دارفور حالياً، وللأسف كان من المنتظر أن يمهد الاتفاق أرضية اجتماعية للسلام، لكن الواقع الاقتصادي المتمثل في ظهور المعادن في جبل مون وجنوب دارفور خلق نوعاً من التنافس الاقتصادي، بخاصة بعد دخول مجموعات منتمية إلى روسيا”.

وأضاف خاطر أن “طابع نزاعات دارفور الأخيرة كان اقتصادياً وليس قبلياً، وفي ظل هذه التعقيدات دخلت المجموعات الداخلية، بخاصة العربية التي تسكن دارفور، في صراعات مع الحكومة التشادية وتطورت الأوضاع لتصل إلى مرحلة الاتهامات الصريحة، مما دفع وزير الدفاع التشادي إلى زيارة الخرطوم مطلع أغسطس (آب) الحالي ولقاء رئيس مجلس السيادة السوداني عبدالفتاح البرهان لبحث تلك التطورات.

الجوع يحاصر معسكرات النازحين واللاجئين في دارفور
وفي غضون ذلك وقعت الأحداث المؤسفة على حدود الدولتين التي أدت إلى مقتل 18 مواطناً سودانياً بسبب أعمال النهب والسلب، وهي أحداث طبيعية وعادية ليس لها صلة بالنزاع الحكومي السوداني – التشادي”.

واستبعد الكاتب السوداني أن تحدث مواجهة بين الدولتين على إثر تلك الأحداث المتوارثة، بخاصة أن أهل دارفور أدركوا أن أي دخول في نزاع أو حرب أو اضطرابات ليس في مصلحتهم، ومن ثم فهم حريصون على ألا تتطور الأحداث إلى مواجهات لا تحمد عاقبتها.

قرارات حاسمة

ووقعت حادثة مقتل الـ 18 مواطناً بعد ساعات قليلة من محادثات خاطفة أجراها نائب رئيس مجلس السيادة السوداني محمد حمدان دقلو مع رئيس المجلس العسكري الحاكم في تشاد محمد إدريس ديبي بانجمينا على رأس وفد أمني، تناولت قضايا عدة وعلى رأسها أمن الحدود.

وعد دقلو الحادثة انتهاكاً واضحاً لحدود السودان، مطالباً المواطنين بضبط النفس لتتمكن الدولة من اتخاذ الإجراءات اللازمة التي تحفظ حقوقهم.

وأشار خلال مخاطبته حشداً من ذوي الضحايا إلى أن فريقاً من المتخصصين سيزور موقع الحادثة للتقصي ووضع التدابير الملائمة لعدم تكرارها، منوهاً بأن تكرار الاعتداءات على المواطنين في الحدود السودانية – التشادية هي مسؤولية القوات المشتركة.

وأكد نائب رئيس المجلس السيادي أن هناك قرارات حاسمة ستتخذ في شأن الحدود على ضوء هذه الحادثة، لافتاً إلى أن هناك إجراءات اتخذت من جانب حكومة دولة تشاد لاسترداد الأموال المنهوبة والقبض على الجناة، وأشاد بالتعاون الذي أبداه الرئيس التشادي للتصدي لانفلاتات المجموعات المسلحة التشادية داخل الأراضي السودانية، معرباً عن استيائه لما يبثه بعضهم من فتن بين البلدين من باستغلال مثل هذه الحوادث وإرسال رسائل سلبية تهدف إلى الوقيعة بين الدولتين، مشدداً أن بلاده حريصة على علاقات الجوار وفقاً للمصالح المشتركة والاحترام المتبادل والمحافظة على سيادة البلدين.

إسماعيل محمد علي
إندبندنت عربية