تحقيقات وتقارير

الخرطوم تعود إلى التظاهرات الشعبية للمطالبة بحكم مدني

تشهد العاصمة السودانية الخرطوم، الخميس 11 أغسطس (آب) الحالي، انطلاق تظاهرات دعت إليها لجان المقاومة للمطالبة بحكم مدني كامل وإبعاد المؤسسة العسكرية السودانية عن المشهد السياسي. وستكون وجهة هذه التحركات الشعبية التي يتوقع أن تكون حاشدة، شارع المطار.

وفي وقت لا يزال الانسداد السياسي يسيطر على الوضع في البلاد، حض ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في السودان، فولكر بيرتس، الأطراف السودانية على إظهار مزيد من الللتزام والإرادة السياسية، فضلاً عن فتح قنوات للحوار مع بعضها البعض.

وتأتي هذه التظاهرات، بحسب “لجان المقاومة”، “في ظل تزايد المد الثوري على الصعيدَين السياسي والتنظيمي عبر المراحل المتقدمة من دمج المواثيق والإصلاحات الديمقراطية” لتلك اللجان. وتم تحديد 4 نقاط لتجميع المشاركين في هذه المليونية هي اليحي بمنطقة جبرة، وتقاطع البلابل مع عبيد ختم، وصينية السوق المركزية، ومحطة سبعة في الصحافة.
وتواصلت التظاهرات، منذ 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021، احتجاجاً على إلغاء قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان الشراكة مع المكون المدني، الأمر الذي اعتبرته غالبية القوى السياسية والشعبية “انقلاباً عسكرياً”، بينما وصفه الجيش بـ “الحركة التصحيحية”. وتعرضت هذه التظاهرات إلى عنف مفرط من قبل الأجهزة الأمنية راح ضحيته 116 قتيلاً ومئات الجرحى منذ اندلاعها نهاية أكتوبر، نتيجة استخدام الرصاص الحي لتفريق المتظاهرين.

بيان لجان المقاومة

وقالت تنسيقيات “لجان المقاومة” في بيان، “لقد وسمت ثورة ديسمبر (كانون الأول) المجيدة تاريخنا المعاصر، من ثم كانت الينبوع الذي ينهل منه شعبنا ما يحتاج إليه من الطاقة ليقدم على ملاحمه وبطولاته الوطنية كلما واجهته عظائم التحديات والعقبات. فقد كُتب على الشعب السوداني أن يكافح ويناضل ويقارع إرهاباً وقمعاً عديم الانسانية مقارعةً كان إبانها شهداؤنا مضرباً للأمثال من أجل نجدة الوطن واقتلاعه من براثن الطغيان”. وأضاف البيان “نحن في تنسيقيات لجان مقاومة ولاية الخرطوم نشد خطانا للسير معاً جنباً إلى جنب لاستكمال ما بدأناه سوياً وإن هذا الحلم ليس ببعيد لا تفصلنا عنه سوى سويعات يفيض فيه هذا الشعب مقتلعاً من الجذور كل من فكر يوماً في قتل وسرقة وسحل واغتصاب وتعذيب شعبه الطيب من الشيب والشباب والنساء. فهذا المجلس العسكري الانقلابي بقيادة البرهان عاث فساداً في الأرض فوجب دحرهم بكامل السلمية والبسالات الشواهد للجموع الأبية”.
وتابع البيان “آن الأوان ليلتئم شتاتنا ونظهر وحدتنا في بوتقة واحدة تجمع جميع ثوار وثائرات هذا الوطن نساءه ورجاله شبابه وشيابه لنكمل أبهى لوحات البطولة لشعب جَسور قوي وحر الإرادة”.
وناشد البيان جميع الكوادر الطبية الميدانية ووحدات الرعاية الصحية “تفعيل حالة الاستعداد القصوى للمشاركة في مليونية 11 اغسطس إكمالاً للدور العظيم الذي تقوم به منذ إنطلاق ثورة ديسمبر 2018 وتقديم المساعدة الطبية وإسعاف الثوار والمصابين من دون كلل كما عهدناها في تفانٍ يعكس وحدة هذا الشعب وثباته أمام عنف أجهزة القمع الانقلابية”.

تدابير وتحوطات

وتعليقاً على أثر هذه التظاهرات وصولاً إلى أهدافها، أوضح المتحدث باسم “لجان مقاومة مدينة الخرطوم” فضيل عمر فضيل، “لدينا ما يكفي لهزيمة الانقلاب وما هو مدخر لمستقبل الأيام، ومليونية 11 أغسطس هي ملحمة جديدة سيسطرها الشعب السوداني في صفحات التاريخ ضد هذا الانقلاب، مستفيدين من التجربة التراكمية ومستخدمين أساليب سلمية جدية تنقل العمل الثوري السلمي إلى مستوى أعلى”.
وأكد فضيل الحرص الشديد على عدم الاحتكاك مع القوى الأمنية، واتباع التدابير والتحوطات اللازمة لمنع حدوث أي نوع من الصدام أو الاحتكاك بين المتظاهرين السلميين وتلك الأجهزة الأمنية.
وحول أثر هذه التظاهرات على أرض الواقع، قال “بكل تأكيد إن وتيرة العمل الثوري تتزايد مع كل إعلان لموكب جديد، ونحن نعمل على ألا تتراجع التظاهرات من خلال ممارسة العمل السياسي والثوري معاً لهزيمة الانقلاب، فالمواكب والمسيرات المتواصلة منذ انقلاب 25 أكتوبر لها تأثير كبير في المشهد السياسي وتسهم بترجيح الكفة لمصلحة الشعب وتؤكد أن لا صوت يعلو على صوته”.

جاءت الـ”سي أن أن” بخبر ذهب السودان لتصبح هي نفسها خبرا
وأشار المتحدث باسم لجان مقاومة مدينة الخرطوم، إلى أنه لا يوجد في منهجهم السياسي قاموس للتسوية، وأن اتجاههم وهدفهم هو إسقاط الانقلاب، مشدداً على أنهم لن يتراجعوا عن موقفهم مهما كانت العروض، إذ إنهم يلتفون “حول برنامج سياسي رسمه الشعب السوداني بنفسه”، ولن يعملوا بمعزل عنه.

تراجع وانخفاض

في المقابل، رأى أستاذ العلوم السياسية في جامعة أفريقيا العالمية في الخرطوم عبد الوهاب الطيب البشير، أن “الحراك الثوري في تراجع وانخفاض عما كان عليه الوضع في فترة عنفوانه سواء مع بدايات ثورة ديسمبر التي أطاحت بنظام الرئيس السابق عمر البشير في 11 أبريل (نيسان) 2019، أو بعد انقلاب قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان في 25 أكتوبر 2021، وهو أمر طبيعي، ويعود السبب في ذلك إلى أن حكومة الفترة الانتقالية التي تشكلت برئاسة عبدالله حمدوك لم تحسم ملفات مهمة عدة مثل الشراكة وأزمة فض اعتصام القيادة العامة للجيش ومسألة تفكيك النظام السابق ومحاربة الفساد، ما خلق صراعاً بين المكونات السياسية المدنية، بالتالي تأثرت وتغيرت وتيرة الحراك في الشارع”.

ولفت الطيب البشير إلى أن “جدلية الانقلاب وتصحيح المسار أياً كانت حيثياته، أسهما في إحداث تغيير جديد كان خصماً على جذوة الثورة وقوتها ومطالبها، وهو ما أدى إلى مزيد من التشظي في الكيان الأساسي الذي يقود المناداة بالحكومة المدنية والتحول الديمقراطي، فضلاً عن أن الانقسامات التي حدثت داخل قوى الحرية والتغيير (الحاضنة السياسية السابقة لحكومة الفترة الانتقالية) أضعفت أيضاً عملية الحراك الثوري”.

وبيّن الأستاذ الجامعي السوداني أن “من المؤثرات الكبيرة في وتيرة الحراك الثوري سيطرة التدخل الأجنبي في مسار تشكيل مصير السودان السياسي، إذ أنه منقسم بين مؤيد للمدنية، وآخر رافض لها وللتحول الديمقراطي ويتجه إلى تكوين نظام شمولي”. وتوقع أن تفضي الأزمة السودانية إلى “تشكيل حكومة مدنية لا تعبر عن الإرادة الثورية تشمل المكونات الناتجة من التشظي وهي الحركات المسلحة والمكون العسكري والقوى السياسية والمكون الأجنبي ورجال المقاومة، وهو ذات المصير الذي توصلت إليه دول الربيع العربي، حيث فشلت جميعها في تحقيق شعارات الثورة وإحداث التغيير المنشود، لكن أياً كان نوع الفشل إلا أن تلك الثورات غيرت قواعد اللعبة وخلقت وعياً سياسياً لدى الأجيال الجديدة الشابة”.

إسماعيل محمد علي
صاندبندت عربية