محجوب مدني محجوب يكتب: السياحة بين طمس الهوية وانعاش الاقتصاد
محجوب مدني محجوب
لا خلاف في كون الآثار ثروة وطنية ينبغي الاعتناء بها، والترويج لمكتسباتها، ومما يزيد الأمر أهمية بالسياحة في كونها عرضة للسرقة أو الإهمال.
عرضة للسرقة ليس على نطاق ضيق، وإنما تشمل سرقتها جهات منظمة قد تطال مسؤولين في الدولة كما أن إهمالها كذلك قد يكون على مستوى الدولة لكل ذلك وجب الحرص على إبداء الاهتمام بها، وإبداء التحذير من إهمالها وتركها.
إلا أن هذه الثروة الوطنية مجرد الاهتمام بها، وتقديرها له عدة محاذير يمكن إجمالها في الآتي:
* إن إرثنا الإسلامي عبارة عن آثار بمعنى أنه يشبه طبيعة الاهتمام بالآثار، وبالتالي فلا ينبغي أن يطغى الاهتمام بالآثار عامة على الآثار الإسلامية تأتي هذه المحاذير في ظل جهل شبابنا اليوم لأبسط موروثات ديننا الإسلامي.
* طبيعة الآثار كثروة تأتي في مؤخرة ثروات البلد إذ لا يمكن أن تعتني دولة بالآثار وشعبها يفقد أبسط مقومات الحياة إذ لا يستقيم ذلك من ناحية أمنية ولا من ناحية معيشية.
فمن الناحية الأمنية لا يمكن أن تروج لسياحة في بلد يعاني مواطنوها من الجوع والعطش، فإن استأمن السياح طيبة معشر أصحاب الآثار، فلن يسلموا من أن تنعكس هذه الحالة المعيشية المتردية على سياحتهم.
* وعليه فلا بد أن تتقدم الثروات الأخرى على ثروة الآثار.
تتقدم الثروة السمكية والثروة الزراعية والثروة الرعوية وثروة المنتجات الغذائية من تعليب وتغليف وخلافه، فلا يمكن بحال من الأحوال أن تكون البلد فقيرة في هذه الثروات في الوقت الذي يتم فيه العناية بثروة الآثار، وكما يقال في المثل الشعبي الحي أولى من الميت بالعناية والاهتمام.
* إن بلدا كالسودان عرضة لنشر الأمراض الجهوية والانفصالية، وعرضة لاستغلال ثرواته الثقافية بغرض طمس هويته الإسلامية، وبغرض تقسيمه إلى مناطق ، فإن لم تضبط هذه الاهتمامات المتعلقة بالآثار، والتي هي تتقسم على مناطق وخصائص تلك المناطق، وإذا لم يحدث تغليب الآثار والشخصيات الإسلامية على بقية الآثار، فإننا بذلك قد نساهم في تحقيق هذه الأهداف الانفصالية والجهوية بل واللادينية دون أن ندري، فالاهتمام بالآثار من حيث هي دون ضابط قد يكون مدخلا ومرتعا خصبا لكل غرض خبيث، وبالتالي فإن جاءت دعوة للاهتمام بالشخصيات الإسلامية مقابل الشخصيات الأخرى، ولم يلتفت إليها، فذلك يدل دلالة قاطعة بأن الهدف من وراء الاهتمام بهذه الآثار هو اهتمام خبيث وذو غرض، وما الدعوة لأهميتها اقتصاديا وثقافيا إلا غطاء وواجهة ليس إلا.
ولنا نحن المسلمون خاصة تجربة مريرة في هذا الصدد في العصر الحديث حيث تمت الدعوة للقومية العربية إبان انهيار الخلافة الإسلامية من باب الاهتمام بالمنطقة واللسان العربي، وما هي إلا سنوات وإلا بانت هذه الدعوة على حقيقتها، وتحول كل الحماس والإخلاص حولها إلى سراب، فقد بان وانكشف أمرها، فهي لم تكن ضد الإسلام فقط بل هي ضد العروبة نفسها إذ كشفت هذه الجامعة المسماة بالجامعة العربية زورا وبهتانا اكتشفت أنها مثلت في أكثر من موقع وفي أكثر من مناسبة المشروع العبري اليهودي في المنطقة.
فالشاهد هنا لا ينبغي الانخراط والارتماء في حضن أي مشروع من دعوته الظاهرة بل لا بد من معرفة مقاصده وأهدافه، وإن تعسر لنا معرفة مقاصده وأهدافه، فلا بد أن نتحسس هويتنا وآثارنا، فإن وجدناها حاضرة ومتقدمة على بقية الآثار حمدنا الله، وإن وجدناها غائبة والآثار الأخرى هي سيدة الموقف، فحينئذ لا بد أن نتنبه ونحذر.
فليست كل الدعوات بريئة وليست كل الأهداف ظاهرة.
صحيفة الصيحة