حيدر المكاشفي

حيدر المكاشفي يكتب: هؤلاء الشبيحة من اولئك البلطجية


ليس من عادتي حين يقع حدث أو حادث مهم واتأخر قليلا لأي سبب عن التعليق عليه، ويسبقني آخرون من الزملاء للتعليق عليه بما لا يترك زيادة لمستزيد، أن أعود مجددا لتناوله، غير أنني اليوم أعود بأمر احدى العمات للتعليق على موقعة (ذات العكاكيز والخراطيش والطوب)، التي وقعت الاربعاء الماضي بدار المحامين، كانت تلك العمة تجلس غير بعيد من غرفة التلفزيون، وكنا وقتها مجموعة من الاسرة نتابع أحد البرامج التلفزيونية الذي كان يناقش تلك الحادثة المؤسفة والمعيبة، وفي معرض الحديث عن الحادثة تم بث الفيديو الذي يوثق لتلك السقطة الاخلاقية والقانونية التي سقط فيها الفلول، وحين سمعت العمة الهرج والمرج والكواريك، دخلت علينا مسرعة تستفسر عن ما يجري، وحين علمت أن هؤلاء الذين يحملون العكاكيز والخراطيش والطوب والحجارة ويصرخوا ويكوركو شرذمة من المحامين، ضربت كفا بكف وقالت (محامين شنو ديل، محامين اليابا والتابا والسجم والرماد، ديل ما محامين ديل بلطجية وفتوات وتسعة طويلة كمان)، وقد صدقت فآخر ما يمكن توقعه حتى من أسوأ المحامين أن يتصرف كالبلطجي والعنقالي والفتوة والهمباتي، ويستخدم القوة والعنف والخرطوش والعكاز بدلا من فصاحة اللسان وقوة الحجة التي هي الأداة الاساسية لعمل المحامي وليس الضرب والشتم والقذف بالحجارة، كما لا يتوقع احد من محامي يفترض انه الجناح الاخر للعدالة وتطبيق القانون واحترامه ان يتهجم على من يختلف معه ويسعى لأخذ ما يعتقد انه (حقه) بالقوة والبلطجة وليس عبر القانون والطرق الحضارية، ولكن ماذا نقول غير ان هؤلاء الشبيحة من أولئك البلطجية، فتلك هي بضاعة الكيزان التي سنها آباءهم الاوائل المؤسسون، وصاروا يتوارثونها كوزا عن كوز الى يوم واقعة دار المحامين، فمن قاموا بعمليتهم البشعة والمستبشعة رضعوا هذا العنف وتربوا عليه في محاضنهم التنظيمية منذ ان كانوا طلابا فشبوا وشابوا عليه، ولم يتخلوا عنه حتى عندما سيطروا على البلاد وصاروا حكاما عليها بعد انقلابهم المشؤوم في يونيو 1989.. يعتبر الكيزان أول من مارس العنف في الجامعات لافساد الاحتفالات والمهرجانات والندوات التي لا تروقهم، واستمروا على هذه الممارسة البربرية الهمجية حتى بعد ان تخرجوا ودخلوا الحياة العامة بل حتى حينما اصبحوا حكاما بيدهم كل مقاليد البلاد، ويؤرخ لأول حادثة من هذا النوع بحادثة (رقصة العجكو) التي وقعت في الستينيات بجامعة الخرطوم، كان ذلك عندما قررت الجبهة الديمقراطية التنظيم المناوئ لهم، ان تحتفل بطريقتها بالطلاب الجدد (البرالمة) باقامة مهرجان وحفل تعرض فيه فلكلور شعب السودان بمختلف أعراقه عبر تقديم رقصات لكافة المناطق والقبائل، لم يعجب هذا الاحتفال الكيزان وتخوفوا من أن يسرق (عدوهم) تنظيم الجبهة الديمقراطية الأضواء منهم وتكسب الجبهة الكثير وسط الطلاب الجدد، فسعوا بكل خبث ومكر لإفشال هذا الحفل بادعاء ان فيه اختلاط سافر ومعيب ومفسد، واحتشدت جموع الطلاب والطالبات بمقر الاحتفال وكان بقاعة الامتحانات (Exam Hall)، ولكن بعد افتتاح الحفل بلحظات، وقبل أن تبدأ رقصة (العجكو )، تطايرت الكراسي فوق الرؤوس واطفئت الانوار، وعلا صراخ الطالبات البريئات، وتعالت اصوات الكيزان بالهتاف المتشنج واختلط الحابل بالنابل، وكان من قادة الكيزان وقتها الذين قادوا ورتبوا تلك العملية الهمجية عبدالرحيم علي وقطبي المهدي وعبدالرحمن إبراهيم الملقب ب(أبوزرد) و آخرون، ثم اعقبوا ذلك بعد فترة قصيرة بعملية عنف اخرى تصدوا فيها بالطوب والحجارة لندوة أقامها أساتذة الجامعة وأمها عدد غفير من المواطنين، وللعجب فقد اصبح هؤلاء قادة كبار في التنظيم وفي الحكومة التي استولوا عليها ايضا بالعنف..اذن فلا عجب اذا كان شبيحة دار المحامين من بلطجية قاعة الامتحانات، وفلان وعلان وفرتكان أبناء وربما أحفاد عبدالرحيم علي وقطبي المهدي ونافع علي نافع..

صحيفة الجريدة