جعفر عباس

جعفر عباس يكتب.. الجامعة وحبي الوحيد الفريد


ما استفدته خارج قاعات المحاضرات في جامعة الخرطوم، أكبر مما استفدته من المحاضرات الأكاديمية: ندوات ومسرح ومناظرات ورحلات الى الأرياف، وكان أصحاب البساتين في واوسي والكدرو والخوجلاب والقراي وسوبا والباقير وغيرها يرحبون بالجمعيات الجامعية أيام الجمعة في بساتينهم، ورغم أنه كان مباحا للطلاب قطف ما يريدون من فاكهة، إلا أنه كان هناك التزام غير مكتوب بان يقتصر القطف على بعض الليمون، وكانت البصات تنطلق من امام كلية القانون صباح كل جمعة وكان هناك طالب لا يفوت رحلة، وفي صباح كل جمعة يركب أي بص يجده امام الكلية، وهو لا يعرف أي جمعية او كلية او داخلية هي التي نظمت الرحلة، وفي ذات رحلة ركب البص الى بستان في اطراف الخرطوم، ونزل الطلاب وبدأوا في مد الأبسطة وتجهيز مكان الطبخ فانطلق صاحبنا في اتجاه آخر وعاد بعد ساعة، والجماعة يوزعون فطورا خفيفا فأخرج قارورة من كيس وصاح: يللا يا جماعة “العرقي” وصل والسكر ح يحصل، وإذا به يفاجأ بالعكاكيز والشلاليت تنهال عليه، فقد كانت جمعية الثقافة الإسلامية التابعة لتنظيم الكيزان هي التي نظمت الرحلة، فهرب صاحبنا حافي القدمين
كان الجديد في أمر الالتحاق بالجامعة الجلوس مع بنات في نفس القاعة ثم نفس الكنبة، وفي بادئ الأمر تهيب الطرفان حتى تبادل التحايا، ولكن شيئا فشيئا ذاب الجليد، وتوطدت حبال الود القائم على الاحترام الشديد، وربطتني وزملاء معي في كلية الآداب علاقات ترقى الى مرتبة الأخوة مع مجموعة بنات، وما زالت هذه العلاقات مستمرة والتحية لسلمى بابكر وكوثر احمد العبيد وآمنة وطيبة ونعمات شريف ونعمات عبد الرحيم وآمال محمد مالك وآمال شديد ورشيدة إبراهيم ورحم الله فوزية (ستنا) سليمان عقارب وسكينة محمد الحسن، وكانت علاقتنا بهذه الشلة مفيدة ماليا فقد كنا نقبل مرافقتهن الى السينما مثلا مقابل مبلغ معين (فوق حق التذكرة والعشاء)، ولأنهن كن “دايشات” فلم تفكر واحدة منهن في طلب يدي، وعلى كل حال فقد كنت محصنا ضد الحب الجامعي، لأن الحب في زماننا ذاك كان لابد ان ينتهي بالزواج، ولم أكن وقتها مهيأً له نفسيا، وبصراحة أكتر عيني كانت مليانة لأني كنت أعيش قصة حب مع سعاد حسني (كلمة شاكوش لإنهاء علاقة الحب لم تكن مستخدمة، بل كنا نقول مثلا فلانة أدت فلان شريط؛ أو فتحت ليه البيبسي، لأن البيبسي عند فتح القارورة يقول “فشششش” وتتسرب منه الغازات كما الكورة “المنفِّسة”)
قصة الحب الوحيدة التي كنت طرفا فيها كانت مع خواجية اسمها مس كوك، وكانت تحبني ب”تطرف”، وكانت تدرسنا الأدب الروائي والشعر الإنجليزي، وإذا كلفتنا ببحث وكتبت انا أي كلام كانت تعطيني 18 من 20 على أقل تقدير، وكان عمر حبيبتي تلك نحو 75 سنة، بينما كانت مس سميث المحاضرة في اللغويات linguistics جميلة فعلا “واجلس امامك خاضع ذليل، زاد وجدي ونوم عيني اصبح قليل”، ثم كرهناها لأنها تزوجت بحبيب الجميع جون اباظة، ثم غدرت به وهربت حاملة طفلتهما

جعفر عباس