المديونيات تخنق الإمدادات الطبية في السودان
أزمة قديمة متجددة تلاحق السودانيين منذ سنوات طويلة تتمثل في عدم توافر الأدوية المنقذة للحياة في السوق لأسباب اقتصادية بحتة، وعلى الرغم من أن الصندوق القومي للإمدادات الطبية كان يوفر هذه الأدوية من وقت لآخر ومن بينها أدوية السرطان والضغط والسكري، فإنه أغلق هو الآخر أبوابه في وجه المواطن بسبب المديونيات عليه.
وتأتي الخطورة في أن معظم الأدوية المنقذة للحياة لا تتوفر سوى في الإمدادات الطبية، إذ تتوزع خمس صيدليات كبرى تتبع لها في العاصمة الخرطوم، دفعتها الأزمة الاقتصادية إلى تقليص نظام العمل، إذ كانت توفر الخدمة على مدى 24 ساعة في اليوم، ومن ثم أصبحت تقدم الخدمة مدة ثماني ساعات حتى أغلقت أبوابها نهائياً.
عجز كبير
المتحدث باسم لجنة صيادلة السودان المركزية أمين مكي قال لـ “اندبندنت عربية” إن “عدد أصناف البرامج الصحية القومية مثل السرطان والقلب والكلى وبنك الدم وعلاج الأطفال والحوادث هي 709 أصناف، وفرت الإمدادات 50 في المئة منها فقط، أما عدد كل أصناف قائمة الإمدادات الطبية فتصل إلى 1778 صنفاً وفرت منها 39 في المئة فقط”.
وعن أسباب العجز قال مكي إن “السبب هو تعثر التمويل حيث قدر احتياج العام 2021 بـ 200 مليون يورو (200.06 مليون دولار)، تم دفع 65 مليون يورو (65.02 مليون دولار) منها فقط، وهذا يعني أنه خلال عام كامل تم تنفيذ 30 في المئة منها”. ويذكر أن صرف سعر الدولار يقارب سعر اليورو.
وعن عجز هذا العام قال مكي “هذا العام تم تقدير الحاجة إلى شراء 240 مليون يورو (240.07 مليون دولار)، إضافة لديون من العام 2019 بمبلغ 80 مليون يورو (80.02 مليون دولار)، وتم تحويل احتياج الإمدادات الطبية للدعم (فرق السعر بين سعر دولار الإمدادات 165 جنيهاً سودانياً) ودولار البنك عند إعداد الموازنة (375 جنيها للدولار) مع قيمة الديون بمبلغ 120 مليار سوداني (210 آلاف دولار)”.
وعن جدولة الموازنة يقول مكي “تمت جدولة الموازنة مع موازنة وزارة المالية على أن يدفعوا 10 مليارات جنيه سوداني (17500 ألف دولار)”.
شهرياً ابتداء من يناير (كانون الثاني) لشراء الأدوية ودفع الديون، ونحن الآن في أغسطس (آب) ولم يتم دفع أي مبلغ، وهذا يعني تراكم المبلغ ليصبح 60 مليار جنيه (105 آلاف دولار)، تم دفع 5 مليارات جنيه (8 آلاف و700 دولار) منها، أي أقل من 10 في المئة”.
وعن خطورة هذا الأمر قال مكي إن “هناك استهلاكاً عالياً بالسعر المدعوم، وأصبحت المصروفات التشغيلية بسعر السوق ولا يوجد تعويض من وزارة المالية، مما يعنى أن الإمدادات الطبية في خطر لأنها تأكل من سنامها، وأصبح المركز المالي عاجزاً”.
وفي السياق ذاته قال مكي إنه “لا توجد أية استجابة للدفع على الرغم من أننا تواصلنا مع كل الجهات من دون فائدة، وإذا استمر الوضع هكذا فستنهار الإمدادات الطبية”.
أما عن الأسباب التي أدت إلى تدهور القطاع فيرى أنه “يرجع إلى عدم إيفاء وزارة المالية بوعودها بعد انقلاب الـ 25 من أكتوبر (تشرين الأول)، وترك صرح عظيم مثل الإمدادات الطبية يواجه خطر العجز والإفلاس وعدم القدرة على تقديم خدماته للمواطنين، لا سيما في فصل الخريف وخطر السيول والفيضانات”.
وعن الحلول المقدمة قال مكي إن “الحل الوحيد هو إسقاط حكومة الانقلاب العسكري، لأن من يقتل ويسحل المواطنين العزل ويقف موقف المتفرج لمن جرفتهم السيول والفيضانات من دون تقديم أي مساعدة لن يكون مستأمناً على حياتهم”.
مديونية ضخمة
وأكد مصدر طبي من داخل الإمدادات الطبية، طلب حجب اسمه، أن “ارتفاع مديونية الصندوق القومي للإمدادات الطبية بلغ 85 مليون يورو (85.02 مليون دولار)، أما المستحقات على القوات المسلحة في مستشفى السلاح الطبي فبلغت 110 مليارات جنيه (193 ألف دولار)”.
وتابع المصدر أن “الجميع يضع اللوم على الإمدادات ومن يعمل بها في حين أننا أكثر المتأثرين بما يحدث، فمن مصلحتنا سير الأوضاع بصورة جيدة وعدم وجود مديونيات لأنها تؤثر في رواتبنا قبل كل شيء، وفي الوقت نفسه نتضرر نفسياً عندما ينقطع أي دواء منقذ للحياة أو يأتينا مريض في حاجة إلى دواء مهم”.
أما عن الحلول المقترحة من جانبهم فأكد المصدر أن “الأزمة السياسية والاقتصادية في السودان ضحاياها كثر وليس قطاع الأدوية وحسب، فكل القطاعات متضررة ومتأثرة ولكن يتم تسليط الضوء علينا فقط بسبب أهمية القطاع، لذلك قدمنا حلولاً كثيرة في انتظار الإجابة عنها ونحن نعمل بجد على حل الأزمة، فقد اقترحنا أن يتم تيسير العمل بعيداً من موضوع المديونيات والنظر في أمر الديون لاحقاً، لأن توفير الأدوية حالياً هو الأمر الأكثر أهمية”.
وفي سياق متصل قال المصدر “الحلول المستقبلية تتمثل في تصنيع الدواء داخل البلاد لأن كل الأزمات المتعلقة بالدواء كانت بسبب سعر الدولار غير الثابت وعملية الاستيراد الصعبة”.
لا حلول
بدوره أكد المتخصص الاقتصادي محمد أزهري أن “الأزمات الاقتصادية التي تمر بها البلاد قد تحدث أضراراً أوسع وأكبر على كل القطاعات، وقد تكون نتائجها كارثية إذا لم يتم النظر إليها بصورة جادة والعمل على حلها حتى وإن كانت حلولا موقتة، لأن الأمور عندما تتعلق بالحياة مثل الخبز والدواء فلن يتفهم المواطن أن هناك أزمة وهذا الأمر سيخلق الفوضى والانفلات الأمني”.
ويضيف أزهري أن “أزمة الأدوية خلقت سوقاً سوداء توفر الأدوية بأسعار مبالغ فيها، ولن نستطيع منع المواطن من التعامل معها لأنها هي البديل الوحيد، وقد شاهدنا خلال الفترة الأخيرة إضراباً متكرراً للصيادلة ولذلك يجب العمل على حل المشكلة وتوفير الأدوية المنقذة للحياة فقط حتى إشعار آخر”.
اسراء الشاهر
إندبندنت عربية