أبرز العناوينرأي ومقالات

التمرد، وسيلة البحث عن المصاري !!

في الأخبار أن نحواً من 16 ألف من أبناء دارفور، ممن التحقوا بالحركات التي حملت السلاح في وجه السلطة، وانخرطوا خلال السنوات القليلة الماضية ضمن الجماعات التي تتقاتل في ليبيا، ربما يعودوا إلى أرض الوطن في حال اكتملت خطوات التسوية بين قياداتهم وبين السلطات السودانية، وهي التسوية التي ترعاها الأمم المتحدة وتستضيف حواراتها عاصمة جمهورية النيجر(نيامي)؛ وذلك جزء من التسوية السياسية في ليبيا واستجابة لقرارات مجلس الأمن الدولي بإخراج المقاتلين المرتزقة من الأراضي الليبية، وتجري المفاوضات لإلحاق تلك الجماعات بالتسوية في السودان ضمن ما عُرف باتفاق جوبا.

السؤال المنطقي الذي يتبادر إلى الذهن هو: ما هي الدوافع التي حدت بقادة أولئك المقاتلين للدفع بهم إلى الانخراط في القتال الدائر في ليبيا ؟ والإجابة المنطقية هي أن أولئك القادة يبحثون عن الثروة، وإن شئت قلت “المصاري” خاصة بعد توقف القتال بين السلطة المركزية في الخرطوم وبين الجماعات المسلحة من دارفور منذ عدة سنوات، حيث أصبحت تلك “الجيوش” تعاني من العطالة المقنّعة، وتوقفت الدعومات التي كانت تأتي تحت مسميات مختلفة أو اضمحلت، وهو ما كان أحد الأسباب التي عجلت بالوصول إلى التسوية السياسية في جوبا العام 2020!!

هذا الأمر يقودنا للبحث في الدوافع الأساسية التي حدت ببعض أبناء السودان، من دارفور ومن غيرها، أن يحملوا السلاح في وجه السلطة، هل كان ذلك بغرض رفع مظالم عن أهلهم ومناطقهم وإسماع صوتهم للسلطة المركزية، أم هو لأسباب أخرى تتدثر بثوب الثورة والنضال للحصول على محاصصة مرضية من السلطة والثروة يتمتع بها القادة ثمناً لنضالهم (؟) وهل حمل السلاح وخوض المعارك هو السبيل الوحيد للوصول إلى تلك الأهداف ؟

أبرز الأسباب التي رفعها مَن تمردوا وحملوا السلاح في وجه الدولة هي تعرض مناطقهم للإهمال والتهميش، فهل أزال تمردهم تلك الأسباب أو قلل منها، أم زاد من تهميشها وأوقف مشروعات التنمية التي كان يجري تنفيذها حتى ولو كانت دون مستوى الطموح ؟ والإجابة هنا لا تحتاج إلى كثير عناء ودوننا الآليات التي توقفت عن العمل في مشروعات البنى التحتية، أو تمّ تحطيمها، من لدن حفارات قناة جونغلي وإلى آليات طريق كادقلي الدائري!!

لا شك أن استبدال أدوات النضال والمطالبة بالحقوق من حمل السلاح إلى التدافع السياسي والمدني هو أمر محمود في حد ذاته، ولا يعيب الحركات التي لجأت إليه في جوبا أنها فعلت ذلك، حتى مع كونه أتى في ظل تراجع الدعم المادي والعيني الذي كان يجده كل مَن حمل السلاح في وجه نظام الإنقاذ، بسبب التبدلات في المواقف الدولية والإقليمية، لكنه من الضروري أن يتم حساب وتوثيق الخسائر المادية والبشرية التي أحدثتها الحرب وتحميل المسؤولية الأخلاقية لكل طرف، حتى يبقى ذلك في سجلات الحقيقة والمصارحة والمصالحة.
لقد أدرك بعض القادة، أن إتجاه الرياح قد تغير وأن الداعمين السابقين لإشعال الفتن في أطراف السودان، لم يعودوا في نفس درجة حماسهم القديم لتقديم الدعم، وهو ما كان أحد أبرز الأسباب التي جعلت هؤلاء القادة يقررون الانخراط في التفاوض وتوقيع اتفاقيات سلام، تحقن الدماء وتسعى في معالجة الخلل التنموي الذي تعاني منه كل أطراف السودان، في حين ما يزال آخرون من جماعات التمرد يعتقدون أن مواصلة النضال المسلح ستجلب لهم ما يرغبون فيه من السلطة والثروة !!

إن الحقيقة السودانية التي أثبتت الأيام صحتها هي أنه مهما امتدت أيام وسنوات التمرد، فإن النهاية الحتمية هي الجلوس إلى الطاولة بغرض الوصول إلى تسوية سياسية، وأن ما حدث بخلاف ذلك في دول أخرى هو حالات نادرة، حدثت في ظروف تاريخية محددة، ولا يمكن القياس عليها؛ وقد ثبت أن الحصول على السلطة والثروة يمكن أن يتم بطرق أكثر استدامة ليس من بينها التمرد وحمل السلاح ووقف التنمية والإعمار، وإحداث كل هذه الخسائر المادية والأضرار الجسيمة التي أصابت الكبار والصغار وقلبت حياتهم رأساً على عقب، وجعلت من معسكرات النزوح واللجوء مستقراً لهم.

والحال كذلك فإن النخبة السياسية من أبناء “الهامش” مدعوة لإعادة النظر في أساليب نضالها الهادف إلى تحقيق العدالة والتنمية المتوازنة في مناطقها والتخلي عن أسلوب حمل السلاح كونه مدعاة لهدر الموارد والارتماء في حضن الأجنبي، وفي نفس الوقت فإن النخب السياسية التي كانت أكثر حضوراً في مؤسسات السلطة المركزية منذ الاستقلال مدعوة هي الأخرى لتعبيد الطريق لأكثر الأساليب أماناً واستدامة للوصول إلى السلطة وتداولها وللحصول على الثروة.

العبيد أحمد مروح