تكدُّس الصامتون في المشارح .. جرم يخالف الشريعة والقانون الدولي الإنساني
وضعت الشريعة الإسلامية أحكامًا تفصيلية بشأن التعامل مع الموتى وشدَّدت على التعجيل بالدفن كواحد الإجراءات الضرورية التي يجب الاضطلاع بها لضمان حماية كرامة الموتى واحترام كرامة الإنسان، وهذا يعني أن المجتمع المسلم بأسره يأثم إن لم يدفن موتاه والأحكام الفقهية تتسق في هذا الصدد مع القانون الدولي الإنساني الذي يجيز دفن الميت طالما أنه يُدفن بطريقة لائقة تصون كرامة الميت تحترم إنسانيته .
على الرغم من هذه النصوص الشرعية القاطعة والمتفقة مع القانون الدولي الإنساني حول مبدأ احترام الموتى بدفنهم إلا أن الوضع القاتم الذي ظل يرسمه المدير العام لهيئة الطب العدلي بولاية الخرطوم د. هشام زين العابدين، لأولئك الموتى الذين أمضوا سنين عديدة وصلت لثلاث سنوات، ينتظرون قرار حق إكرامهم ليوارون الثرى، دون أن تجد استغاثته المستمرة أذناً صاغية لتنبيهه وتحذيره من تردي حال المشارح بولاية الخرطوم التي بلغ عدد الجثامين مجهولة الهوية المكدَّسة داخلها أكثر من (3) آلاف، جثمان، موضحًا أن عدم دفنها الغرض منه الكسب السياسي بما يعد انتهاكًا لكرامة جسم الإنسان، وحذَّر د. هشام من أن ثلاجات امتلأت بالجثامين التي قال إنها تعفُّنت وتحلُّلت وأصبحت الفئران تتغذى عليها مبدياً تخوفه من أن تكون هذه الفئران قد تعوَّدت على أكل لحوم البشر وربما تهاجم المواطنين بالأحياء المجاورة للمشارح لتأكل لحومهم وتسبب مرض الطاعون.
واستنكر ناشطون في حقوق الإنسان الاحتفاظ بالجثث لأشهر وسنوات عديدة، وقالوا إن الوضع في المشارح أصبح بحاجة إلى تشكيل لجنة مستعجلة للنظر في حال الوضع المتردي في المشارح بإصدار قرار بتكوين آلية مخوَّل لها كافة صلاحيات التعامل مع هذه الجثث بتحديد مدة غير طويلة تسمح بالاحتفاظ بها، وإصدار أمر الدفن، لأنه من غير المقبول التعامل مع الجثث هذه الكيفية التي تعد انتهاكاً لحقوق الإنسان كرامته حتى بعد وفاته.
حول التعامل مع الموتى من منظور الشريعة الإسلامية ومدى مخالفة ماتشهده المشارح من تكدُّس للجثث وتأخر دفنها بالرغم من وجود أحاديث شرعية تنهى عن تاخير دفن الموتى، قال في هذا السياق رئيس هيئة علماء السودان بروفيسور محمد عثمان صالح لـ(الصيحة): إن تكريم الإنسان حيَّاً وميتاً من أهم القيم الإنسانية التي اهتم بها الدين الحنيف، وقال الله تعالي (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ … وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا)، وأهم شعيرة أوصى بها الدين الحنيف والسنة لإكرام الإنسان بعد موته يغسل ويطيَّب ويكفن أن يصلى عليه أن كان مسلماً ويدفن بأسرع ما يمكن ولا يجوز تأخير الدفن إلا بسبب وعذر قاهر جداً، وتشيَّع له قدسيته، الرسول صلى الله عليه وسلم، وقف عندما مرت من أمامه جنازة وقيل له هذه جنازة يهودي قال أليس هو إنسان، وهذا تأكيد على تكريم الإنسان أياً كانت ديانته أن يكرم حيَّاً وميتاً.
وأكد بروفيسور محمد عثمان أن التعجيل بدفن الميت من الأمور المهمة التي يجب أن يتعلمها حتى الصغار وتأخير الدفن فيه عقوبة ربانية لأن فيه مخالفة لأمر الشريعة الإسلامية والعذر أن يتأخر الدفن لأسباب لكن ليس من الجائز أن يتأخر الدفن لشهور وسنوات، كما في حالة الجثث التي يشكو من تكدُّسها الأطباء الشرعيين في المشارح حتى تحللت وتحوَّلت لطعام للفئران والحشرات هذه مخالفة شرعية لا تجوزها المبررات التي يستند عليها القائمين بالأمر العلم تطور يمكن حفظ بيانات هذا الشخص المتوفي للتعرف عليه عبر فحص ( DNA) وهذا الذي يحدث تقصير من السلطات القضائية والعدلية الطبية ولا يجوز تأخير دفن الميت مهما كانت الأسباب وكل من يتسبب فيه من غير عذر شرعي يكون محاسب على ذلك يوم القيامة .
وأضاف بروفيسور محمد عثمان بجانب إن هذا التأخير أصبح يشكِّل مخاطر صحية على الأحياء والقاعدة الشريعة (لا ضرر ولا ضرار).
الخرطوم: الطيب محمد خير
صحيفة الصيحة