منى أبو زيد تكتب : في الهَوامش والمُتون..!
“الزواج من كاتبٍ عبقري لا يتطلب الكثير من العقل، بل الكثير من الحب”.. الكونتيسة صوفيا تولستايا..!
الأديب الراحل “محمد مستجاب” كان ولا يزال على رأس قائمة الكُتّاب الساخرين الرائعين الذين أنجبتهم الشقيقة مصر. وله أعمالٌ كثيرةٌ تُؤكِّد هذا الزعم، من بينها “الوصية الحادية عشرة”، “من التاريخ السري لنعمان عبد الحافظ”، “الحُزن يميل للمُمازحة”، “اللهو الخفي”، “قيام وانهيار آل مستجاب”. وله العديد من الكُتب التي جمَعت مقالاته التي نُشرت في أشهر الصحف والمجلات العربية مثل “حرق الدم”، “أمير الانتقام الحديث”، و”بعض الونس”. ومنذ وفاته – قبل بضعة عشر عاماً – وحتى تاريخ كتابة هذا المقال لم تنجب مصر كاتباً ساخراً استطاع أن يصنع مثل هذا النسيج الخاص بين مُنتهى التعقيد والسلاسة، ومُنتهى الخيال والواقعيّة، ومُنتهى السخرية والجدية في كتابة نصٍ واحدٍ..!
كانت سخرية الراحل “محمد مستجاب” من مؤسسة الزواج تتّسم بالعنف إلى درجة كتابة مقال بعنوان “جميع الزوجات جميلات عدا زوجتي”، ولدرجة أن يكتب عن زوجته كلاماً على غرار “الآن أستطيع الابتعاد عنها نصف قرن فازداد حيويةً ومرحاً”. لكنه قبيل وفاته أشار نحو زوجته يوماً وقال “إن هذه السيدة هي المرأة الوحيدة التي تشعرني بأهمية الوجود في هذه الحياة، وبقيمة أعمالي، ولولاها لا أعرف أبداً ما الذي كان سوف يحل بي”..!
في تقرير بعنوان “زوجات الأدباء ملهمات أم محبطات”، تم نشره قبل سنوات في ملحق “الخليج الثقافي”، أشار الكاتب إلى زوجة الشاعر الراحل” أحمد شوقي” والدور الكبير الذي لعبته في مسيرته الشعرية العظيمة. وقد لاحظتُ أنا كيف أنّها قد فعلت ذلك من خلال كف الأذى عنه فقط، فلا لوم ولا عتاب ولا نكد، بل هدوء وتفهم أعاناه على التفرُّغ لقرض الشعر وتدبيج القصائد. إلى الحد الذي دفع الكاتب الكبير “يحيى حقي” إلى القول بأنه لو كان من الناشرين لكتب اسمها بجانب اسم شوقي على غلاف الديوان..!
أما “آنا” زوجة الفيلسوف والروائي الروسي “ديستويفسكي” فقد تجاوز دعمها كف الأذى وعدم افتعال أسباب النكد إلى لعب دور السكرتيرة ومديرة الأعمال، وكانت تحتمل مقامراته وتسامحه، وقد ظلت شديدة الوفاء له بعد موته إلى درجة أنها قد اتخذت قراراً بعدم الزواج بعده..!
وذلك على النقيض تماماً من زوجة الروائي الروسي العملاق “ليو توستوي” التي سارت بنكدها الركبان، ولاحقتها اللعنات بعد وفاته، الأمر الذي حرضها على كتابة مذكراتها التي نشرت بعنوان “يوميات الكونتيسة صوفيا تولستايا”، بعد سنوات من رحيله، فقط لتكشف للعالم كيف كان زوجها – الذي يفهم الحياة السيكولوجية للبشر أجمعين – لا يفهم زوجته وأولاده..!
والقارئ لتلك المذكرات التي تتجاوز الثمانمائة صفحة لن ينجح في رصد أي خلاف جوهري يذكر بين الزوجين، ولن يمسك بطرف أيِّ اختلاف على المُستوى الاجتماعي أو الثقافي، لكنه سوف يلحظ دُون شك فشل كلا الطرفين في تلبية احتياجات بعضهما من مُؤسّسة الزواج والخيبة التي حاقت بتطلعاتهما الشخصية نحو علاقة شراكة اجتماعية مؤطرة..!
الحقيقة أن معظم الناس الذين يلتفون حول المطرب أو الممثل القدير أو الكاتب الصحفي الكبير – أو السياسي الشهير أو الشاعر أو الفيلسوف أو المفكر العظيم – يرون فقط الجانب الظاهر منه، ويفترضون جدارته بالتقدير والتعظيم والتهليل. فلا يقدرون تضحيات شريكته أو أنهم قد يستنكرون اجتهادها للمحافظة على تلك الشراكة. مُتناسين أنّ الزواج علاقة إنسانية لها إشكالاتها وقضاياها ومتطلباتها التي توجب على الطرفين أن يتشاركا الاهتمام بشؤون عائلية، أكثر آنيةً وخصوصية، وأقل اكتراثاً بالمجد والشهرة، وبِمَا قَد يُدوِّنه التّاريخُ..!
صحيفة الصيحة