زيادة معدلات الأمراض النفسية والعصية .. الأوضاع الاقتصادية والسياسية .. المُتهم الأول!!
بلدو: أكثر من (22) مليون شخص مصابون بالاكتئاب و(80) الف يعانون الاضطرابات الذهنية والانفصام و(1000) ألف حالة إدمان
ارتفاع غير مسبوق في وتيرة الامراض النفسية والعصبية والتي جعلت مواطناً سودانياً من كل اثنين من المواطنين يعانون بشكل أو بآخر من الاضطراب النفسي والعصبي او قلق او توتر او اكتئاب ….. استغلال المرضى النفسيين وأهاليهم من قبل مجموعة من الدجالين والمتشعوذين الذين يدعون أنهم شيوخ دين يعالجون المرضى النفسيين، في بعض هذه الأماكن يتعرض المريض للضرب والتعذيب والتجويع بالإضافة للاستغلال المادي.
زيادة معدلات الأمراض النفسية والعصية .. الأوضاع الاقتصادية والسياسية.. المُتهم الأول!!
* بلدو: أكثر من (22) مليون شخص مصابون بالاكتئاب و(80) الف يعانون الاضطرابات الذهنية والانفصام و(1000) ألف حالة إدمان
* يس القدال: الدجالون والمشعوذون يستغلون المرضى النفسيين
* هيثم فتحي: الوضع النفسي والاقتصادي يسيران جنباً لجنب
كشف الاستشاري والطبيب النفسي علي بلدو ان أكثر من 1000 الف حالة ادمان تأتي على المراكز في السودان وخاصة حالات الإدمان المختلفة الايس وكريستال الميس ترامادول كبتاجون وغيره من انواع المخدرات ا بجانب ان هناك دراسات اشارات في الصحة المدرسية في ولاية الخرطوم ان اصابة اكثر من نصف طلاب مراحل الابتدائية والأساسية باضطرابات عصبية ونفسية مختلفة ،ومن جانبه قال إستشاري الطب النفسي ورئيس مركز الخرطوم من عدم توفر الأدوية النفسية المنقذة للحياة مما يضاعف العبء على أهل المريض ويؤدي إلى ممارسات مسيئة و مؤذية للمريض مثل تربيط المريض و تقييده بالحبال و الجنازير موضحاً ان أسعار الأدوية النفسية عالية.
غياب العيادات
في دراسة سابقة صادرة من وزارة الصحة تم نشرها في العام 2018م وجد ان هنالك حوالي 65% مرتدي العيادات المختلفة في فروع الطب الأخرى يعانون من أعراض التوتر والاكتئاب وأعراض نفسية. ومن جانبه قال إستشاري الطب النفسي رئيس مركز الخرطوم للطب النفسي بمستشفى الخرطوم وإستشاري الطب النفسي بالسودان وبريطانيا د. ياسين القدال هنالك كثير من الاسباب التي فاقمت زيادة نسبة الأمراض النفسية والعصبية، منها عدم توفر العيادات النفسية خاصة في الأقاليم، وعدم وجود أسرّة كافية لتنويم المريض المتهيج خاصة في الأقاليم، بجانب عدم توفر الأدوية النفسية مما يضاعف العبء على أهل المريض ويؤدي إلى ممارسات سيئة ومؤذية للمريض مثل ربط المريض وتقييده بالحبال.
وكشف القدال لـ(الجريدة) عن ضعف العناية في المستشفيات النفسية نتيجة لنقص طاقم التمريض المدرب، ونقص الأطباء نتيجة للهجرة، اضافة لعدم توفر مراكز متخصصة لعلاج مشكلة الإدمان المتزايدة والتي أصبحت وباء بالعاصمة أخطر من الكرونا، خاصة وباء إدمان المخدر المسمى (آيس)، زيادة المرضى وغلاء الأدوية ساهم في استغلال المرضى النفسيين وأهاليهم من قبل مجموعة من الدجالين والمتشعوذين الذين يدعون أنهم شيوخ دين يعالجون المرضى النفسيين، في بعض هذه الأماكن يتعرض المريض للضرب والتعذيب والتجويع بالإضافة للاستغلال المادي.
دعم تدريب الأطباء
واضاف القدال ان انخفاض مستوى التوعية لدى العامة عن المرض النفسي و ضرورة الذهاب المبكر للطبيب النفسي والمتابعة المستمرة مع العيادات والمواظبة على أخذ الدواء الذي قد تطول مدته لسنوات، منوهاً ضعف الدعم الحكومي للصحة النفسية من قبل وزارة الصحة، مثلا الإهتمام بالجراحة و امراض القلب وغيرها و تجاهل الصحة النفسية. وعدم تفعيل توصيات المجلس الاستشاري للطب النفسي التي رفعها لوزارة الصحة و ذلك بإنشاء إدارة مستقلة للصحة النفسية بالوزارة الإتحادية والولائية و إنشاء قسم للطب النفسي في كل مستشفى حكومي عام خاصة بالأقاليم و كذلك دعم تدريب الأطباء و الممرضين و المعالجين النفسيين والباحثين الاجتماعيين.
التمييز السلبي
وواصل يس حديثه ان معاناة المريض النفسي من الوصمة الإجتماعية ضد المرض النفسي والتمييز السلبي ضده في المجتمع ومكان الدراسة ومكان العمل، ضعف دور الإعلام في رفع الوعي عن الصحة النفسية وجنح بعض الوسائل الإعلامية إلى مواضيع الإثارة والترويج والتي تسيئ للمريض النفسي ولا تخدم في محاربة الوصمة ضد المريض النفسي. ونقول المرض النفسي مرض عادي مثل أمراض السكري والضغط. أسبابه متعددة منها إضطرابات كيماوية في المخ يمكن علاجها بالأدوية ليعود المريض معافى ومفيد و منتج ومنتمي للمجتمع.
كما لابد لنا من الإشادة بالأطباء المرابطين في المستشفيات النفسية لعلاج المرضى وهي الوحيدة وأغلبها في الخرطوم، مستشفيات الخرطوم، طه بعشر، التجاني الماحي، الإدريسي (الشرط)، السلاح الطبي، حسن علوب بمدني وأقسام الطب النفسي بالفاشر والدامر وبورتسودان، وبقية المدن تنتظر.
تدهور الأوضاع الاقتصادية
وفي سياق متصل قال الخبير والمحلل الاقتصادي هيثم فتحي ان الوضع النفسي والاقتصادي توأمين، فتردّي الثانية ينعكس بشكل سلبي على الأولى، وتدهور الأولى ينعكس بشكل سلبي على إنتاجيّة الفرد الإقتصاديّة، يتأثر الناس بشكل مباشر بالوضع الاقتصادي العام. نمو الاقتصاد ويخلق فرص عمل جديدة ويساهم في تحسين مستوى دخل الأفراد، بينما الركود عادة ما يصاحبه تسريح للعمالة وتدهور في مستوى معيشة الأفراد استقرار الأسعار في السوق تسهل حياة الناس وتضمن لهم الحفاظ على قوتهم الشرائية فترات التضخم تؤدي إلى تآكل القوة الشرائية وإفقار الأفراد. ولذلك فإن وضع الاقتصاد العام له أثر مباشر على حياة الناس.
وأشار هيثم “للجريدة” ان السودانيين لديهم موعد يومي مع المعاناة، في مختلف تفاصيل حياتهم من صفوف الانتظار الطويلة للحصول على أبسط الحاجات الرئيسية المحروقات والسلع الغذائية والخبز اليومي وجولات البحث المضنية عن الأدوية المنقطعة، ومعاناة الأهل في تأمين حليب أطفالهم، وصولاً إلى معاناة العاطلين عن العمل، وليس انتهاء عند مشاكل البلاد التقليدية من ازدحام شديد وبنى تحتية مهترئة ومحسوبيات وفساد واهتراء في إدارات ومؤسسات الدولة. وكما قال بسمارك، “الأنانية تولد الحسد، والحسد يولد البغضاء، و البغضاء تولد الاختلاف، والاختلاف يولد الفرقة، والفرقة تولد الضعف، والضعف يولد الذل، والذل يولد زوال الدولة وزوال النعمة وهلاك الأمة”. وعلى ما يبدو أن السودان دخل في احدى المراحل.
للفقر أبعاد سلبية جمّة على الفرد والأسرة والمجتمع مثل الإحباط والتوتر والإجهاد النفسي، الفردي والجمعي. ولها صلة مباشرة بمشاكل العنف والجريمة بمجتمعنا وحالات الطلاق اثر فيها أيضاً حالات النزوح والظروف الطبيعية المختلفة مثل المجاعات والفيضانات والحروب، أو هكذا ذهب بروفسير الطب النفسي والعصبي علي بلدو، مشيراً إلى أن هنالك تصاعدات خطيرة في معدلات الاصابة بالامراض النفسية والعصبية في السودان، بحيث نجد ان هنالك اكثر من 22 مليون شخص مصاب بالاكتئاب بجانب وجود حوالي 80 الف شخص يعاني من الاضطرابات الذهنية والانفصام، وارتفاع حالات القلق والتوتر. انه في دراسة سابقة صادرة عن وزارة الصحة تم نشرها في العام 2018م وجد ان هنالك حوالي 65% مرتادي العيادات المختلفة في فروع الطب الأخرى يعانون من أعراض التوتر والاكتئاب واعراض نفسية أخرى، بجانب دارسات في الصحة المدرسية في ولاية الخرطوم أشارت إلى اصابة أكثر من نصف طلاب مراحل الابتدائية باضطرابات عصبية ونفسية مختلفة، وهذا يشير الى اننا نعيش في واقع مأزوم للغاية، وان حالة المواطن السوداني النفسية الآن اصبحت تمشي على (عجل حديد)، ويشير المختص النفسي علي بلدو ان هناك اعداد مقدرة من الاشخاص المصابين بالامراض النفسية والعصبية يهيمون على وجوههم في الشوارع دون رعاية في ظل قلة المواعين الطبية النفسية، وقلة الكادر العامل في هذا المجال بجانب الهجرات لكوادر خارج البلاد وعدم الاهتمام بالمهنة، مما أدى الى تفاقم اعداد المرضى في الشارع العام مما يساهم في نشر الامراض وتعرضهم لاعتداءات مختلفة جسدية وجنسية، أو يعتدون على المواطنين وهذا يؤدي الى اشاعة روح غياب الأمن في المجتمع ويعزز أيضاً النظرة السالبة تجاه المريض النفسي في ظل الوصمة تجاه الطب النفسي.
حالات نفسية حادة
ويمضي بلدو قائلاً: هناك ازدياد في وتيرة التدافع على المراكز الطبية المختلفة والمستشفيات والعيادات، ووجود اكثر من 1000 حالة ادمان تأتي للمراكز في السودان عموما، وخاصة بالادمان باشكاله المختلفة خاصة (الايس وكريستال الميس ترامادول كبتاجون) وغيرها من الأنواع وأيضاً وجود حالات كثيرة من حالات الاصابة بالامراض النفسية الحادة نتيجة استعمال مواد التسمين والتجميل المختلفة، خصوصاً للفتيات ما قبل الزواج، وهذا يؤدي بحسب علي بلدو لظهور حالات نفسية حادة اثناء فترة الزواج الاولى، يُطلق عليها اضطراب شهر العسل او الاضطراب النفسي الحاد، والذي اصبح يصيب (عروستين) من كل 10 (عروسات) في البلاد. ويشير الدكتور علي بلدو إلى ان الضغوط النفسية والمعيشية والخلافات الاسرية وحالة عدم الاستقرار التي تعيشها البلاد وانعدام الشعور الامني والسياسي وعدم وجود مخرج في الافق والانسداد في الساحة السياسية، تؤدي الى التوتر والقلق ويجعل الكثيرين يعانون من عدم الراحة والنسيان وعدم التركيز والشعور بالضجر، ووجود اعراض جسدية غير مبررة، وعبر علي عن مخاوفه من ازدياد وتيرة وارتفاع معدل الاصابة بالأمراض النفسية والعصبية نتيجة لهذه العوامل المختلفة 90% من المرضى النفسيين يرجعون الى العلاج الشعبي عن طريق الدجل والشعوذة بدلا عن الوصول الى الاطباء وهذا أيضاً يؤدي الى الكثير من المرضى.
واضاف بلدو كما نجد في السودان عموماً ثلاثة مستشفيات حكومية تابعة للصحة الاتحادية، اثنان منها في الخرطوم مستشفى التجاني الماحي التعليمي لطب النفسي ومستشفى طه بعشر لطب النفسي ببحري اضافة الى مستشفى الصحة النفسية بود مدني، بجانب عدد من الاقسام الطب النفسي في عدد من الولايات لا تتجاوز (5) ولايات، وجود مصحات خاصة لامراض النفسية تابعة لادارة الخدمات الطبية بالقوات المسلحة والشرطة في السلاح الطبي ومستشفى الرباط ومصحات كوبر، التي تعرف حالياً بمسشتفى علي ادريس لطب النفسي ومصحة حسن علوب بمدني، بجانب عدد من المصحات في السجون في بعض الولايات وكلها لا تفي بهذا الغرض، ووجود ثلاثة او اربعة مستشفات خاصة بالطب النفسي بالخرطوم كولاية ولكن سعتها السريرية لاتتجاوز ال 10سرير او اقل لكل مستشفى وهذا ايضاً يشكل ضغطاً عالياً ويشكل تهديداً للمريض النفسي وهذا يشكل اشد المعاناة في ايجاد سرير ونجد ان كثيراً من المرضى لا يجب تنويهم لعدم وجد الأسرة واكتظاظ المستشفيات الحكومية والخاصة والمراكز العلاجية الخاصة بالطب النفسي في ظل هذه الحالة التي نعيشها وهذه الظروف الطاحنة التي ادت الى ارتفاع غير مسبوق في وتيرة الامراض النفسية والعصبية والتي جعلت مواطناً سودانياً من كل اثنين من المواطنين يعانون بشكل أو بآخر من الاضطراب النفسي والعصبي او قلق او توتر او اكتئاب ،ويقول علي بلدو ان المريض النفسي في السودان لا وجيع له في ظل الاهمال المتعمد في الطب النفسي والعصبي وعدم وجود الميزانية الكافية لانشاء المراكز والمستشفيات وانشاء بيئة داخلية واحترام وكرامة وخصوصاً المريض النفسي وكذلك توفير الاجهزة الادوية تشكل عائقاً امام الكثير من المرضى بسبب الندرة والانقطاع وغلاء الثمن وعدم القدرة على توفيرها وتهرب الكثير من الشركات الخاصة بالتأمين الطبي والصحي من تغطية هذه الامراض خاصة من التكلفة العالية او طول مدة العلاج مما جعل المريض النفسي يقاتل وحيداً دون جواد وسيف، ويشير بروفيسور علي بلدو أن ماينفق على الصحة النفسية لايساوي 1%مما ينفق على حبوب التسمين وكريمات التجميل وحتى العاب الاطفال وماشبه نتيجة فهم الخاطئ لهذا المجال وأيضاً بالوصمة الاجتماعية التي تجري في المجتمع تجعل الكثير من المرضى يلجأوون الى جهات غير طبية بحيث ان 90%من المرضى النفسية والعصبية في السودان لا يتلقون العلاج على ايد مختصين بل على ايد المتشعوذين والدجالين والعلاج الشعبي وماشبه يفاقم الظاهرة اكثر ،وناشد علي بلدو الجهات المختصة والقائمين على هذا الامر الاهتمام بالصحة النفسية والعصبية اذا العقل السليم في الجسم السليم رافع الشعار لاصحة دون صحة نفسية.
تحقيق: امتثال سليمان
صحيفة الجريدة