صلاح الدين عووضة يكتب : هكذا تحدث!
ليس زرادشت..
وإنما شلوني؛ ابن حارتنا..
أو مجنونها بالأصح؛ في زمانٍ مضى..
ومجانينها كانوا كثراً؛ بيد أن شلوني هذا أظرفهم… وهم في غالبهم ظرفاء..
وربما كنت أنا نفسي واحداً منهم… وما زلت..
وذلك إن انطبقت علي مقولة خذوا الحكمة من أفواه المجانين..
وسنشرح ذلك في سياق كلمتنا هذه..
ونيتشه – الفيلسوف – الذي ألّف كتاب هكذا تكلم زرادشت كان مجنوناً..
فمن منا من لا يتمنى أن تكون له عقلية نيتشه؟..
وأن يكون له مثل جنونه أيضاً؟… فهو جنونٌ ذو عبقرية مذهلة..
كجنون شاعرنا القائل:
أريتني أجن… وأزيد في الجن
ومجنون حلتنا كان يقول (يمكن ده ينفع لــ ده… مين عارف؟)..
وهكذا تحدث شلوني… وكان حديثه حكمة..
أو كنت أراه كذلك؛ وربما هذا سبب وصف جارٍ لي بالجنون قبل أيام..
فشلوني كان يلتقط كلما تقع عليه عيناه في طريقه..
مسماراً كان… أو سلكاً… أو صامولة… أو علبة… أو حتى بقايا ثوبٍ بالٍ..
فيخرج علينا – من حين لآخر – بشيء مدهش..
مثل تلك العربة – ذات الإطارات المطاطية – التي أهداها لطفلٍ ذات يوم..
فكانت أفضل صنعاً من كثيرٍ مما يُباع في الأسواق..
سيما عربات الأطفال التي عليها ديباجة (صُنع في الصين)..
وأكثر جمالاً كذلك… بدليل فرح الطفل (الجنوني) بها..
وذات أصيل التقطت سلكاً من الطريق..
وكان برفقتي أحد جيراننا؛ فتساءل بدهشة (انت جنيت؟… تعمل بيه ايه؟)..
فقلت (يمكن ده ينفع لــ ده… مين عارف؟)..
ومساء اليوم نفسه كان السلك ينفع لشيءٍ يحتاج ربطاً في البيت؛ فربطته..
ونحواً من سؤال جاري هذا سألني آخر..
قال لي (بتجيب من وين الحكايات دي اللي بتربطها مع بعض في مقالاتك؟)..
فأجبته: من الطريق… ومن أفواه المجانين..
فأردف ضاحكاً (قسماً أنت مجنون)… فقلت: وكذلك كان شلوني ونيتشه..
وبما أنه لا يعرف أياً منهما فقد تأكد من جنوني..
وما زلت أذكر صباح يوم جمعة جلست فيه تحت تعريشة فتحية..
أو توحة كما يُطلق عليها من باب الظُرف..
وكل من (يتظارف) معها – هكذا – تكون ظريفةً معه كماً… وكيفاً..
أي تزيد في طلبيته… وتنقص من سعرها..
وهي – إلى جانب الشاي… والقهوة… والحلبة… والزنجبيل – تبيع الزلابية..
فدخل علينا التعريشة مجنونٌ… ظريف..
ثم ارتد إلى الخلف خطوتين والتقط شيئا؛ التقطه من السماء لا من الأرض..
فالمجانين لا حدود لمجالات – ولا جهات – التقاطهم..
ولذلك يقولون – كما ذكرنا – خذوا الحكمة من أفواه المجانين..
وكان ما التقطه حكمة لم نأخذ بها..
فقد حذرنا مما سماها مصيبة ستحل بنا اليوم..
فانفتحت – مساءً – أبواب السماء بماءٍ منهمر… ولم تُوصد إلا فجرا..
وفي اليوم التالي سمعنا بآثار المصيبة..
فنصيحتي لكم أن تتعلموا فن الالتقاط… حتى وإن وُصمتم بالجنون..
فربما (ده ينفع لـ ده… مين عارف؟)…
هكذا تحدث شلوني!.
صحيفة الصيحة